المجلس الوطني الكوردي في سوريا

حاجو آغا هفيركي في ضيافة إبراهيم محمود (الجزء الثاني ـ النَّسَب)

253

للكاتب ” فرمان بونجق ”
وكأنما كان الباحث إبراهيم محمود يبحث عن مدخل لإضاءة جانب مهم في سيرة حياة حاجو آغا هفيركي، عندما اتّكأ على اقتباسةٍ من الفيلسوف الفرنسي ـ البلغاري تزفيتان تودوروف، ومفادها: البشر بحاجة ماسّة إلى تحديد انتمائهم، حتى لا تنتابهم الريبة في أصل وجودهم.
إلاّ أنّ هذه الاتكاءةَ، وبوصفها فكرة تنتج مساحة زمنية ـ كحدٍّ أدنى ـ أمام المؤلف، فهي ترتبط ارتباطا وثيقا بدراسة علم الأنساب، مما يفضي طوعاً أوكرها، إلى استقراء التاريخ مكانياً أيضا، وهذه الجزئية ألزمت إبراهيم محمود في أن يخوض المسألة برمتها حين يقول: “إننا نجد أنفسنا في مواجهة تاريخ مقدَّم بوصفه حقيقة، ونقدِ تاريخ بوصفه نقيضهُ، وفي الحالتين يحضر تاريخ بصفةٍ ما، بمقدار ما يتنحى جانباً تاريخ من داخله، وعبر الاستعانة بما هو توثيقي، أي ضبط التاريخ بالتاريخ “.
يبدو جليّاً من هاتين الاقتباستين، والتي أولاهما للفيلسوف تزفيتان تودوروف، وثانيهما لمؤلف الكتاب الباحث إبراهيم محمود، أن استحضار التاريخ في هذا المقام، أي مقام النسب، والأنساب، سيأخذ حيّزاً لا بأس به من الاهتمام، وهذا ما وجدته، من خلال الاسترسال في سرد تاريخ المنطقة وأقوامها، ليس بالاستعانة بعشرات المراجع فحسب، وإنما بإجراء مقاربات بينها وبين ما يعتقده هو، أي المؤلف، كتوطئة لاقتحام ما ينوي عليه، لدحض المزيد من الادعاءات والافتراءات التاريخية. ولوهلة نعتقد بأنه جعل سيرة حاجو غا هفيركي خلفه، وتفرغ لدراسة أنساب آخرين ليسوا على علاقة بموضوع البحث، إلاّ أنه يفاجئك بأن ما كان يدونه عبر تدوينه لأكثر من ثلاثين صفحة، ليس إلاّ إحاطة بنسب حاجو آغا هفيركي وغيره من الكورد الفاعلين، أمثال العائلة البدرخانية، وصولاً إلى عائلة رمو آغا، العائلة التي تزعمت عشيرة هفيركان ردحاً من الزمن، قبل أن تؤول الزعامة إلى آل أوصمان، والتي يتحدر منها حاجو الثالث، الشخصية التي يتعرض لها المؤلف في هذا البحث.
قلت ذات يوم وفي معرض تعليقي على محاضرة ألقاها الكاتب والباحث إبراهيم محمود في الأكاديمية الكوردية: من خلال قراءاتي لنتاجات إبراهيم محمود، ومن خلال معرفتي به، توصلت إلى قناعة بأنه ينثر الأشياء (أفكار ـ مفاهيم.. إلخ) أو حتى أنه ينفيها أحياناً، ولكنه يعود للبحث عنها من جديد ليثبتها، ويعيد ترتيبها على طريقته، وهذا منطق البحث الفلسفي لدى إبراهيم محمود. وقد يسأل سائل: ما العلاقة التي تربط هذه المقولة بموضوع الكتاب؟. ولكي ندرك العلاقة الوثيقة بين ما تقدم، وبين الجزء أو الفصل الذي يبحث في نسب حاجو آغا هفيركي، والذي وسمه المؤلف تحت عنوان (خطاطة النسب ومحك الخطّاطة التاريخي)، وهو يشير هنا إلى المأزق التاريخي الذي وقع فيه خطّاطو التاريخ، الذين أرخّوا أو بحثوا في تاريخ المنطقة، إذ يلجأ إبراهيم محمود والحالة هذه إلى نفي ما تم تأريخه، من قبل هؤلاء، ليعيد صياغة هذا التاريخ المخطوط كما يراه هو، وكما أتيت على ذكره فيما سبق، عبر محاكمة منطقية قابلة للتصديق. ولم يسلم من هذا النفي الباحث محمد جمال باروت*، كأحد الباحثين المعاصرين في تاريخ الجزيرة العليا، ولم يسلم آخرون أيضا، واقتبس المؤلف من أحدهم ما يلي: “انتصبت بلدة حديثة اسمها القامشلي من كثرة القصب الذي كان ثمة على ضفاف الجغجغ سكانها18000 جلّهم نصارى سريان وكاثوليك وأرمن قديم ومسلمون عرب ويهود من حوالي تركيا ثم جوالة من عرب بلاد الشام << دمشق وحلب >>. فيعلّق المؤلف على ما تقدم قائلاً: ولا ذكر للكورد فيها. أيُعقل هذا؟.
إذاً هكذا هي المسألة!!. والحال هذه لا يمكننا وضع الأمور في سياقها الحقيقي، إلاّ بالعودة إلى مقولة ضبط التاريخ بالتاريخ، والحال هذه أيضاً، فقد ارتأى المؤلف البحث في أصل العلاقة بين عشيرة هفيركان وبعض رموزها، وآغواتها مع العائلة البدرخانية، وأيضاً والحال هذه كان لابد من الاستنارة بالوثائق العثمانية، أو الفرنسية في مرحلة لاحقة، والتي جاءت على ذكر آل رمو آغا كزعامة سابقة للعشيرة، وآل أوصمان وحاجو آغا كزعامة لاحقة لذات العشيرة، مع التأكيد على موطنها ، والذي امتد من قرى شرق مدياد وصولا إلى بريّة نصيبين، والتي كانت تسمى في الحالة الأولى (سرختى ) وفي الحالة الثانية ( بنختى ) والتي تم تسميتها سهول الجزيرة ، أو الجزيرة السورية العليا فيما بعد. وبالعودة إلى الوثائق العثمانية، والتي تؤكد موالاة عشيرة هفيركا للعائلة البدرخانية، تقول الوثيقة وهي مرسلة من قبل والي إيالة ديار بكر محمد خير الدين بتاريخ 3 أيار 1847 وتحت رقم63 🙁 حتى تمكنّا من استمالة وجلب كل من عثمان حسن وعلي رمو وحاجو كلش وهم من أنصار الأمير الموما إليه، وألبسناهم الخلع وطيبنا خاطرهم). وليست هذه الوثيقة اليتيمة التي تؤكد قوة عشيرة هفيركان وزعمائها، وإنما لجأ المؤلف إلى إفراد باب كامل للوثائق، إضافة إلى المزيد والمزيد من المراجع الهامة التي وثقها الكِتاب.
أما فيما يخص التاريخ المعاصر لعشيرة هفيركان، وقراءة سيرة حاجو آغا هفيركي ونسبه، ونسب عائلته، فيكمن العودة إلى كتابين مهمين في هذا الصدد، أحدهما (سلاطين هفيركا للباحث نذير جبو) وآخرهما (مذكرات جميل حاجو آغا هفيركي). الجدير بالذكر أن الفصل التالي للكتاب: هفيركان الجغرافيا والتاريخ. سيلقي بالمزيد من الضوء على سالفه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كما هو مشار إليه، فإن أرقام صفحات كتاب الباحث محمد جمال باروت: التكون التاريخي الحديث للجزيرة السورية، المصدر المذكور، قد وردت في المتن للإيجاز.
وأنوّه هنا إلى الأهمية الكبرى للحلقات النقدية التي يكتبها الباحث الكردي الأكاديمي محمود عباس، حول كتاب باروت السالف الذكر، تحت عنوان: مصداقية الباحث العربي محمد جمال باروت مثالاً. ومن زوايا مختلفة، حيث نشر حوله حتى الآن 30 حلقة، مبيّناً التهافت التاريخي والتزييف الجغرافي في كتاب باروت ذاك عن” الجزيرة السورية ” والتلاعب بالمصادر والمعلومات، والطابع الأمني لكتابه، “أي باروت”. حيتُ تُنشر هذه الحلقات في كل من موقع “الحوار المتمدن” الألكتروني، و”ولاتى مه” الألكتروني كذلك.

التعليقات مغلقة.