المجلس الوطني الكوردي في سوريا

فرمان بونجق: حاجو آغا هفيركي في ضيافة إبراهيم محمود (الجزء الأول ـ الإهداء)..

135

يَسِمُ الكاتب أو الباحث أو الشاعر وسواهم من المشتغلين على الحرف، لحظة إنجازهم لأعمالهم، بهوامش لا تقل أهمية من فحوى العمل نفسه، بل وأحيانا تكون تلكم الهوامش ركائز أساسية للعمل ذاته، وتندرج الهوامش على شكل: محتويات الكتاب أو الإهداء أو مقدمة أو توطئة أحيانا، وقد يكون أحد هذه الهوامش ـ كما في حالة كتاب دولة حاجو آغا الكُردية للباحث إبراهيم محمود ـ محور الحدث، أو ملهمه، وقد ارتقى هذا الهامش إلى شكل حبل المشيمة الذي لم يبرحه الكاتب حتى نقّطَ كتابه بنقطة النهاية. ما يهمني في هذا المقام، الإهداء الذي تصدر “دولة حاجو آغا الكُردية”، وهو أي الإهداء، والذي جاء مشحونا بإيقاعات تراتليه تخاطب الحدود التي تفصل الشمال عن الجنوب، تفصل الأرض عن الأرض، تفصل البشر عن البشر، وتؤلب بعضهم على بعض أحيانا، هي ذات الحدود التي صادرت الطبيعة من وداعتها، كما جاء في متن الإهداء.
الحقُ يُقال، وأنا أقرأ “دولة حاجو آغا الكُرديّة”، أشعر بأنني أمام صرح عظيم، مدينة خيالية، تتوزع على أسوارها البوابات المدهشة التي تحاول استدراجك بعنف، ولكنك تحار أي البوابات ستختار، أي البوابات ستوصلك إلى الحقيقة، أي البوابات تلك التي ستختصر عليك المشقّة، ولكنها بوابات متشابهة، لا غنى عن إحداها دون الأخريات، فهي مترابطة، تشدّ إزر بعضها بعضا، ولكن الشغف الذي سيوصلك إلى مبتغاك، كلمة السر التي ستفتح آفاق تلك البوابات، هي الحدود.
الحدود كإهداء للكتاب، الحدود كخريطة طريق للكتاب، الحدود التي صنعت الكتاب، إذا كانت الكتابة صنعة. الحدود التي فجّرت انتفاضة بياندو، الحدود التي ولّدت فكرة إنشاء الكيان الكُردي لدى حاجو آغا هفيركي، الحدود التي مازالت هي الحدود، وهي تنجب الاتفاقيات والتفاهمات، يتساءل المرء: ماهي الحدود؟. فيجيب إبراهيم محمود: وحدهم معذبو الحدود أعلم بهذه الحدود.
إذا من هنا تبدأ الرواية، من الحدود، الحدود التي جلبت الصداع لحكومات عدة، حكومات وطنية، وحكومات مستعمرة، حكومات في الشمال، وحكومات في الجنوب، وحكومات في الشرق أيضا وعلى حد سواء، من هذه الحدود تبدأ ملحمة حاجو آغا، ويبدأ البحث أيضا عن الملحمة وعن تفاصيلها، عبر كتاب يقع في نحو ألفٍ من الصفحات، مدعّم بالوثائق والمراجع والصور، وفي ظني أنه استهلك من الكاتب سنوات مديدة، حتى تم إنجازه، ناهيك عن كم هائل من جهد متراكم، واستراتيجية مدهشة وعجيبة أحاط الكاتب نفسه بها، وصلت إلى إلزام الذات حدّ الجلد بمعنى من المعاني، ليكون زائرا وضيفا في حضرة التاريخ، ثم متحدثا نزيها بلسان تلك المرحلة من ذاك التاريخ. حيث استطاع هذا الزائر الضيف، أو الضيف الزائر، نقل الملحمة من عالم الكلام الشفاهي، إلى عالم الكلام المكتوب، عبر إيقاعات مركّبة ومتداخلة، يتناسب فيها الاجتماعي والسياسي والوطني والقومي، لشخصية لم تأخذ حقها في البحث الاستقصائي، أو الاستقصاء البحثي، إن شئت، حتى أنهكت هذه القصة كاهل إبراهيم محمود، ومن جوانب عدّة، وزوايا عدّة، فانبرى لهذا العمل الذي استطاع من خلاله وضع “المبحث التاريخي” في سياقه الصحيح، متفوقا بذلك على نفسه وعلى المزيد من الباحثين في التاريخ، وبتقديري ما كان هذا ليحدث لولا الحدود ، وهو القائل في نهاية إهدائه:
إلى حدودي أنا
وأنا أعيش انفجارات الحدود !.

التعليقات مغلقة.