ستعود القضية الكوردية في سوريا إلى الساحة الدولية وبزخم لا يقل عن الماضي، وستتأرجح ما بين النجاح والضياع، وهي مرهونة بيدنا مثلما هي في أكثريتها بيد القوتين، روسيا وأمريكا.
كما وأن رجحان التوازن احتمالية واردة في حال أن يفرض العامل الذاتي دوره على الموضوعي وفي الظروف التي تمر بها سوريا والمنطقة الكوردية، وحيث تضارب المصالح، رغم أن آمال الكورد بحصة في الدستور المتوقع كتابته في الفترة القادمة تكاد تكون شبه معدومة، فأغلبية القائمون عليه ثلة من البعثيين العنصريين والمعارضة العروبية التكفيرية، الرافضة سلفاً حقوق القومية الكوردية، مع ذلك المسألة الكوردية ستدرج ضمن الحوارات الدولية القادمة لبعدين:
الأول، على خلفية الرفض الروسي في الواقع العملي لأي نوع من السلطات غير المركزية في سوريا، لتكون تحت إمرتها بجغرافية كلية موحدة، لئلا تتشتت جهودها، والمنطقة الكوردية أو المحررة من قبل قوات سوريا الديمقراطية، تكمن تحت السيطرة الأمريكية، وهذه تنزاح إلى تطبيق النظام اللامركزي الفيدرالي، والفيدرالية تلغي هيمنة السلطة المركزية أي عمليا السلطة الروسية، وعليه فستكون القضية الكوردية من القضايا الجدلية بين روسيا وأمريكا على خلفية مصالحهم.
والبعد الثاني، التضارب بين المطامح والمطامع التركية في جعل إدلب ومنطقة عفرين الولاية 82 التركية، ولربما ترغب في التوسع نحو الشرق إلى حيث ولاية الموصل، والمرفوضة روسيا، لعدة اعتبارات، منها برغم أنها ترغب في عزلها عن الناتو، لن تقبل أن تكون تركيا بالدولة القوية المنافسة لها كفترة السلاطين والقياصرة، فالاثنين تظهر لديهما هذه النزعة بشكل أو أخر، لذلك فالقضية الكوردية ستدرج بشكل أو أخر على طاولة المباحثات السورية بينهما وبمشاركة إيرانية.
وهنا ستكون لسلطة بشار الأسد حضور في الحالتين، وهي ترفض وسترفض كليا كل مشروع تقلل من سلطتها المركزية، خاصة إذا كان متعلقا بالقضية الكوردية، إما من البعد العنصري، أو للمزاودة على المعارضة الرافضة لحقوق القوميات والأقليات، تحت حجج الوطنية، والشراكة في السلطة، والطرفين ينطلقان من منهجين، القومي العروبي العنصري، والإسلامي التكفيري الرافض للقوميات واللغات باستثناء العربية والعروبة، وبالتالي لن تقبل سلطة بشار الأسد، فيما إذا استطاعت، بأي هيئة كوردية حتى تحت اسم الإدارة الذاتية والتي تطرحها روسيا أحيانا.
فالقضية الكوردية رغم أهميتها في المباحثات السورية القادمة بين روسيا وأمريكا، والتي ستكون للقوى الإقليمية دور ما فيها، ستكون سلبية على الكورد إذا لم يتداركوها مسبقا، والدروب لهذه الغاية عديدة والمجالات مفتوحة فيما إذا كنا على قدر المسؤولية الوطنية والقومية، وتمكنا التخلص من الإملاءات الخارجية، وملكنا قرارتنا بذاتنا، وعرفنا كيف نضع حلولا للصراعات الداخلية، ونتفق على بعض نقاط التقاطع بيننا، وإلا فالأجيال القادمة ستلعننا.
أصبح جليا أكثر من الماضي أن روسيا، وخلف رغبة سلطة بشار الأسد، لن تقبل بأي دور سياسي للمعارضة في السلطة، وعليه لن تكون هناك حلول سياسية، بل جميع الدروب تؤدي إلى أن القوة العسكرية هي التي ستفرض ذاتها، وهي الطريقة الوحيدة التي تتعامل روسيا وتوابعها من السلطة وإيران ومرتزقتها مع المعارضة، وهذا هو المنطق الذي سيتعاملون فيه مع الكورد إذا تخلت الدول الكبرى عن المنطقة ولم نتدارك معضلتنا داخليا وخارجيا.
الطرفان، سلطة بشار الأسد والمعارضة، تجمعهما القضية الكوردية، يتفقان على ما يتم عرضه من الجهتين، فهما في الواقع وجهان للعنصرية العروبية، وكل المؤتمرات التي جرت من جنيف إلى الأستانة وغيرها، لم تطرح فيها القضية الكوردية بشكل جدي، وما تم كانت من باب المزاودة على الكورد أو على الطرف الأخر المتصارع، علما أن جميع المؤتمرات لم تكن سوى خدع لتمرير الوقت، وكانت معروفة للجميع، شارك في ذلك النفاق كل من تركيا وإيران والسعودية وقطر، ولوضوحها نادرا ما اشتركت فيها أمريكا، ليس لأنها أنظف منهم بل لان مصالحها تطلبت ذلك، فهي اقتنعت أن المعارضة مخترقة أو تكفيرية أو عنصرية، أو إرهابية، وحاولت إيجاد معارضة نظيفة معتدلة عدة مرات وفشلت وعليه تخلت عنها بشكل تام، وانتبهت أنه مثلما للسلطة أياد ملوثة بدماء السوريين كذلك معظم أطراف المعارضة وخاصة التي كانت كلما ظهرت على الإعلام فاقمت من الشرخ بين أطراف المجتمع السوري، وبين القوميتين الكوردية والعربية.
للقوى الخارجية أبواب عديدة للبقاء في سوريا، وبوابة أمريكا هي المنطقة الكوردية والتعامل معهم، بعد أن أغلقت أمامها جميع الأبواب التي أفرزت لها ميزانية قدرت بنصف مليار دولار كدفعة أولية، مع ذلك البوابة الكوردية تتطلب شروطا لتتلاءم والسياسة والمنهج الأمريكي، فهي تمهل وتداري لمصالحها، لكنها في النهاية لا تتنازل عن مفاهيمها حيث النظام الرأسمالي والديمقراطية وتقبل الأخر في الإدارة، وقد عرفنا كيف تخلت أمريكا عن المعارضة بسهولة، وعن عفرين وغربي الفرات رغم استراتيجيتها بالوصول إلى البحر الأبيض المتوسط، وهي الأن تتخلى عن المعارضة في درعا رغم أنها تُعرف بالجيش الحر، وهي على مقاييس الشروط الأمريكية في الظاهر، لكنها معروفة لديهم أن المسيطرين عليها، ونهجهم ومفاهيمهم ليست بأفضل من نهج المنظمات التكفيرية الأخرى، وتملك كل المعلومات حول علاقاتهم الوثيقة مع المنظمات المتهمة بالإرهاب أو بالدول الداعمة لهم، وبشكل خاص مع قطر أو السعودية، الموصوفة في الأروقة الأمريكية بالوهابية، حيث الإرهاب، وهي تدرك تماما جنسية معظم إرهابيي حادثة 9\11 رغم العلاقات العلنية والمصالح المشتركة، وعليه فالحضور الكوردي بالشكل الحالي تتلاءم وحرب أمريكا الجاري في سوريا، لكنها في المرحلة القادمة ستشخص الواقع والطرف الكوردي المشارك بشكل مغاير، خاصة وأن تركيا وبعض الدول العربية ومعهم سلطة بشار الأسد سيطرقون قضايا قد تتعارض والنهج الأمريكي، وقد تضطر أمريكا ولأفضلية مصالحها التخلي عن الكورد وعن شرق الفرات، وعليه فالكورد هنا أمام خيارين لا ثالث لهما، أما عليها أن تتدارك هذه القضية بخلق نظام ديمقراطي فعلي مقبول من قبل الأروقة الأمريكية ضم منطقتهم، فالمغالاة بالديمقراطية والتباهي بها في الإعلام، وبمصطلحات غريبة على مسامع الأمريكيين لا فائدة منه، لان المراقبين الأمريكيين وإستراتيجييهم يدركون ما وراء الكواليس بدقائقها. أو التحرر منهم بطريقة أو أخرى، والانزياح نحو الحلف الروسي، وعليهم إيجاد الدروب للوصول إلى الأخير، إلا وشرق الفرات مصيره سيكون كمصير عفرين أو مصير درعا، ربما بسيناريوهات مختلفة.
لا تقبل روسيا، أي سلطة بشار الأسد، لذاتها منافسا على الأراضي السورية، والمنطقة الأكثر معنية هي شرق الفرات، فدرعا لم تكن ذات يوم محور خوفها، ولا إدلب، فهي حسمت أمرهم منذ دخولها المعركة السورية في عام 2015م، وفي الفترة الأخيرة فمصير الأولى تمت الاتفاقية عليها مع أمريكا والأردن، والثانية ستسلمها تركيا إلى سلطة بشار الأسد متى ما أرادت روسيا ذلك، وأردوغان يدركها، لكنه يعلم أن المطالبة بها لن تكون إلا بعد الانتهاء من درعا، والتأكد أن تركيا لن تعود إلى حضن الناتو، وهذه الأخيرة تحتاج إلى فترة زمنية غير قصيرة، فعليه يضمن البقاء في المنطقتين، ويتعامل معها بعامل الزمن. وتبقى في الساحة شرق الفرات، والتي ستتكالب عليها جميع القوى إما بالحوارات وبحضور الكورد، أو إدراجها وبغيابهم ضمن صفقات معظمها لن تكون في صالحنا ونحن على هذه الدرجة من الخلاف والتضاد، ولربما مواد الدستور القادم سيكون خير مثال.
مخطط إلغاء مناطق خفض التصعيد، المتفقة عليها في مؤتمر أستانة، والتي استغلتها تركيا وبعمق لصالحها، وحصلت على أثرها على إدلب وعفرين وما حولهما لإدراجهما كولاية غير رسمية، إلى درجة أنها تسمح لمواطنيها والمهاجرين السوريين اجتياز الحدود بدون تأشيرة الدخول، لم تكن سوى مؤامرة على الشعب الكوردي، وكانت المعارضة تدركها مع ذلك اشتركت في تنفيذها خدمة لتركيا متخلية بها عن مصير الشعب السوري، الذي دفع ثمنا من دمه، قبل أن تدفعها المعارضة العسكرية الإرهابية والسياسية الانتهازية والمخترقة.
في الواقع ما يجري الأن في درعا، هي من ضمن المخطط المرسوم في أروقة مؤتمرات أستانة أو قبلها، وبدأت مسلسلها بعد القضاء على المنظمات المسلحة في الغوطة، النقطة الحاسمة التي تأكدت فيها لجميع الدول المعنية بالأمر رغم سكوتهم عليها، أن الحل لم يكن يوما سياسيا رغم جميع المؤتمرات، ولن يكون، فالقوة العسكرية الروسية هي التي تحسم الأمور، وبامتياز، واليوم يتأكد هذا على خلفية الاتفاق غير المعلن عنه بين روسيا وأمريكا حول منطقة درعا، وإبعاد القوات الإيرانية وحزب الله من الحدود الإسرائيلية، وتخلي أمريكا عن الجيش الحر في الجنوب السوري، وكذلك الأردن، وبالتأكيد لن تكون لتركيا صوت إلا لدعاية إعلامية كالتي كانت أثناء تدمير حلب والغوطة وغيرها.
لا جدال أن المجرمين يتحكمون بالبشرية، وأنه لا وجود للعدالة في الأرض، فحتى الأديان لم تتمكن من تطبيقها، وتشريعاتها لم تكن على مقاسات الإنسانية المتوقعة، والبشرية تعيش مثلها مثل معظم الحيوانات في غابة اسمها الكرة الأرضية، لا خلاف بين البيئة الحيوانية في الغابات الإفريقية والغابات المسماة بالدول والحكومات والأنظمة، وبقاء الطغاة أمثال بشار الأسد في السلطة والذين حافظوا على بقائه، تحت حجج وذرائع كالتي أمدهم بها التكفيريون في الدول العربية والإسلامية، أصبحت حقيقة مرة مفرغة منها، والإشكالية هنا كيف سيتم التعامل مع مجرم كبشار الأسد مستقبلا، أو جدلا مع المعارضة المنافقة والعروبية العنصرية، وكيف سيتناولون القضية الكوردية في سوريا القادمة؟
المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له علاقة بوجهة نظر الموقع
التعليقات مغلقة.