نشر الكاتب والروائي الكوردي جان دوست مقالا على صفحته بعنوان الفاشية في نهج حزب الاتحاد الديمقراطي. الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني
وتضمن :
الورقة التي تمت قراءتها اليوم في مبنى الاتحاد الأوربي في ندوة : كرد سوريا بين سلطة الأسد وحزب العمال الكردستاني.
أيتها السيدات، أيها السادة
نجتمع اليوم في ذكرى مرور خمسة أعوام على المجزرة البشعة التي ارتكبتها ميليشيا حزب الاتحاد الديمقراطي في عامودا وراح ضحيتها ستة أبرياء من مواطني تلك البلدة. وسأركز في كلمتي هذه على بعض ممارسات هذا الحزب الفاشية في المنطقة الكردية منذ عام 2012
+++
نهض الشعب السوري في شهر آذار عام 2011 للمطالبة سلمياً بحقوقه المدنية وتحويل سوريا إلى بلد ديمقراطي تعددي. لم تمض أشهر قليلة حتى توحد الشعب السوري من أقصاه إلى أقصاه تحت شعار واحد هوالمطالبة برحيل النظام الذي احتكر السلطة لأكثر من نصف قرن.
لم يكن النظام مستعداً لأي تنازل بطبيعة الحال. فهو قد عرف أن مجرد البدء بذلك وتحقيق أدنى مطالبات المتظاهرين ستجعل المسبحة تكر ولن تنتهي إلا بعد سقوطه.
كان أكثر ما يحسب النظام حسابه هو انضواء الجماهير السورية بكافة المكونات تحت لواء شعار واحد وعودة الشعور بالانتماء إلى سوريا بعد أن قضى النظام عبر خمسين سنة من القمع على هذا الشعور من خلال إذابته مفهوم الوطن في شخص الديكتاتور. بالإضافة إلى ذلك شجع النظام على الكراهية بين قوميات ومذاهب سورية وضرب هذا بذاك عبر سياسة خبيثة آتت ثمارها فحدثت حالة تنافر واضحة بين الكرد والعرب مثلاً وبين السنة والعلويين كمثال آخر.
بدا في بداية الثورة أن كل ما بناه النظام وعمل لأجله خلال خمسين سنة سينهار تحت ضغط المظاهرات الكبيرة التي عمت البلاد. أصبح الكردي يقف بجانب العربي وينادي بصوت واحد من أجل تغيير النظام. نسي السوريون الفوارق الطبقية والدينية والقومية التي بينهم وتوحدوا من أجل شعارهم الكبير: الحرية.
وللقضاء على ذلك عمل النظام على مستويين:
1- فتح المجال أمام عسكرة وأسلمة الثورة
2- ترك مناطق السنة بيد فصائل متطرفة، ومناطق الكرد بيد كرد متطرفين.
كان هدف النظام من خلال هذا التكتيك هو أن يبرهن للخارج نظريته القائلة إن الثورة ليست سوى شغب يقوم به الإسلاميون المتطرفون المسلحون وهذا سيسهل أمر القضاء على الثورة في المهد أو منعها من تحقيق أهدافها وحجب الدعم الدولي عنها. كان الهدف الثاني هو دغدغة المشاعر الدينية للعرب السنة وحقن جسد الثورة بشعارات دينية براقة خادعة تحرف الأنظار عن الهدف الأساسي وهي الدولة المدنية التعددية المبنية على الحريات العامة. أما هدفه في المناطق الكردية فكان قطع الطريق أما تعاظم المد الثوري الذي يقوم به شباب الكرد أولاً. وثانياً خداع الجماهير بفرضية انتهاء عهد النظام وبدء عهد جديد على يد حزب الاتحاد الديمقراطي الذي هو فرع من فروع حزب العمال الكردستاني. وثالثاً إقلاق راحة تركيا وإرسال رسالة لها مفادها أن الثورة ستسبب فوضى وسينتشر على حدودها جيش من الكريلا الذين تقاتلهم تركيا في جبال كردستان.
سياسة حزب الاتحاد الديمقراطي في المنطقة الكردية
ظهرت بوادر هيمنة حزب الاتحاد الديمقراطي على المشهد اليساي الكردي مبكراً حيث تم تصفية مشعل تمو رئيس ومؤسس تيار المستقبل في القامشلي وكذلك تمت تصفية شباب عائلة بدرو في وضح النهار في القامشلي.
وفي التاسع عشر من تموز عام 2012 أعلن ممثلو حزب الاتحاد الديمقراطي تحرير مدينة كوباني وقيام ما سموها ثورة التاسع عشر من تموز. لكن شهود العيان من المنطقة والوقائع كلها أشارت إلى أن العملية تمت دون إطلاق رصاصة واحدة وأن المنطقة الكردية سلمت برمتها من قبل النظام إلى عناصر حزب العمال الكردستاني.
ومنذ ذلك الوقت بدأت مرحلة جديدة في المنطقة الكردية في سوريا. ففي عفرين مثلاً، وفي شهر تموز عام 2012 قتل عناصر من ال ب ي د الشيخ حنان وابنيه بعد تعذيبهما ورموا بجثثهم أمام مشفى ديرسم، (هذه الحادثة وغيرها موثقة في الإنترنيت وفي سجلات منظمة Human Rights Watch) واعتقل على أثر ذلك العشرات من المواطنين الكرد.
في كوباني تم قمع المظاهرات بالرصاص الحي وقتل الفتى القاصر ولات حسي في نوفمبر من نفس العام خلال إحدى المظاهرات المناهضة للنظام. وقد سار الحزب على هذا النهج في كل قرية ومدينة كردية ولم يسمح لقيام أي مظاهرة ضد نظام الأسد. في العام التالي، أي عام 2013 وفي 23 حزيران تحديداً ارتكبت قوات الحزب مجزرة بحق عائلة كردية من إحدى قرى كوباني (تل غزال) فقتل رجل وابنه وابن أخته في سيارتهم على الفور دون مبررات سوى بث الرعب وإخضاع ما تبقى من جيوب متمردة على سلطة الحزب في منطقة كوباني. لم تمض أيام قليلة على تلك المجزرة حتى قامت قوات الحزب بمجزرة رهيبة في بلدة عامودا من محافظة الحسكة فقتلت خلال مظاهرة شبابية ليلية خمسة شبان وجرحت العشرات واعتقلت كثيرين إثر مطالبات السكان بإطلاق سراح ناشطين معتقلين لدى قوات الحزب. في اليوم التالي تم فرض حظر تجول كامل في البلدة ومنع الأهل من دفن قتلاهم بكرامة ودون تشييع. ثم قام أحد عناصر الحزب بقنص رجل في الستين من العمر على متن دراجته النارية حيث كان متوجها لشراء الخبز.
مارس حزب الاتحاد الديمقراطي الإرهاب الممنهج ضد المواطنين الكرد العزل وزج بالآلاف في سجون أنشأها على عجل وسجون كانت سابقاً تابعة للنظام السوري في المنطقة الكردية. وقد تم الكشف عن أحد أبشع سجونه بعد احتلال القوات التركية منطقة عفرين مورس في زنزاناته تعذيب ممنهج ضد المعتقلين.
وقد أعلن عام 2014 في شهر تموز عن جريمة ارتكبها المشرفون على أحد سجون عفرين في القضية المعروفة باسم قضية حنان حمدوش. الذي اعتقلته قوات الحزب بسبب مشادة كلامية بينه وبين أحد المواطنين. في السجن تعرض لتعذيب وحشي موثق بالفيديو وقضى نحبه وسلمت جثته لعائلته وادعت السلطات حينها أنه انتحر في زنزانته. وقد اختفى العديد من المواطنين بعد اعتقالهم مباشرة ولم يتم العثور عليهم بالرغم من المناشدات وحملات الناشطين السنوية المطالبة بكشف مصير المختفين قسرياً. ومن هؤلاء بهزاد دورسن الذي تم اختطافه من قبل أجهزة أمن الحزب في ديريك أو المالكية في تشرين الأول 2012، وأمير حامد الذي اختطفته قوة أمنية من حزب الاتحاد الديمقراطي مع مجموعة من رفاقه في بداية عام 2014. كما أعلن عن اختفاء ثمانية من الضباط الكرد المنشقين قرب أحد حواجز جهاز الأمن التابع لحزب الاتحاد الديمقراطي، و كان أولئك الضباط في طريقهم إلى إقليم كردستان لتقديم اللجوء. ويرجح الناشطون من خلال متابعاتهم أن المعتقلين يسلمون إلى النظام بموجب الاتفاقات السرية بينه وبين عصاه الضاربة في المنطقة الكردية بشمال سوريا. ولم يتم الكشف عن مصير أي من المختفين إلى حد الآن.
ولم تكتف هذه السلطات الفاشية بذلك بل ضيقت على المعارضين حتى نفتهم إلى خارج الحدود قسراً. وبعد نفيهم لاحقتهم وصادرت ممتلكاتهم واستولت على دورهم. ولعل أحدث ما في هذا الموضوع هو الاستيلاء على منازل زعماء أحزاب كردية منضوية تحت لواء المجلس الوطني الكردي الذي يعتبره حزب الاتحاد الديمقراطي عدواً له. لقد استولت قوات حزب الاتحاد الديمقراطي بالقوة على منزل تسكنه أخت القيادي الكردي إبراهيم برو وأخرجتها منه مع زوجها وأطفالهما، كذلك استولت على منزل القيادي فؤاد عليكو والقيادي عبد الحكيم بشار في الحادي عشر من الشهر الجاري.
بالإضافة إلى القتل والاختطاف والاعتقال والاستيلاء على الأملاك الخاصة، فقد مارست سلطات حزب الاتحاد الديمقراطي سياسة فرض الضرائب بشكل أقرب إلى النهب والسلب. كما أنها قامت بزج القاصرين في المعارك الكثيرة ضد الوجه الآخر للطاعون الأسود في سوريا والذي أنتجه النظام السوري لقمع الصورة أعني داعش. هناك العشرات بل المئات من الحالات الموثقة تم فيها اقتياد القاصرين شباباً وبناتاً غلى المعارك مما يشكل في عرف القانون الدولي جريمة حرب تعاقب عليها محاكم الحرب.
هذه الممارسات وغيرها حدت بكثير من المواطنين الكرد إلى الهرب من جحيم هذا القمع الدموي والفاشية المحلية. وبالرغم من غياب إحصائيات موثقة فإن حوالي نصف سكان المنطقة الكردية تقريباً قد هربوا إلى العراق وتركيا حيث نجح الآلاف منهم في الوصول إلى اوربا بعد ذلك.
حرب ال ب ي د ضد داعش:
السوريون يعرفون تماماً أن الإسلاميين المتطرفين ظهروا في المشهد بدعم وتشجيع النظام، وكذلك فإن حزب الاتحاد الديمقراطي جاء بدعم مباِشر من النظام ليبني في زمن قصير أسس فاشية محلية بغيضة. وللأسف فقد انطلت حيلة أن حزب الاتحاد الديمقراطي يحارب المتطرفين على الرأي العام الأوربي وكذلك على بعض الساسة في أوربا. وفتحت أوربا أبوابها لاستقبال أفراد من هذه المنظومة الفاشية (في مقر البرلمان الأروبي والإليزيه وغيرهما من المنابر الديمقراطية). لقد أظهر الإعلام الغربي قناعاً دميلاً يتقنع به حزب الاتحاد الديمقراطي وهو صورة المقاتلات الجميلات الشجاعات مقابل صورة الداعشي الكلايهة ذي اللحية الكثية والشعر الأشعث. لم يتجشم الإعلام الغربي للأسف عناء التعمق في دراسة المجتمع الكردي في ظل سلطة الفاشية الكردية ولم يهتم بتجنيد القاصرات اللواتي تم تقديمهن كوجه جميل من وجوه الحرب على داعش.
إن هذا التعامل الأوربي المتسامح مع هذه المنظومة الفاشية جعلها تزدادا تغولاً وقمعاً وسفكاً للدماء. إذ لم يبق لديها رادع دولي ولم تعد تخشى الرأي العام الذي وقف معها بذريعة أنها تحارب داعش. وهكذا تعتقد هذه المنظومة أنها استمدت شرعية دولية بعد الدعم الغربي الإعلامي على الأقل لها خلال حربها على داعش وقد آن الأوان لتغير أوربا تعاملها مع هذه المنظومة ومحاسبتها على ما اقترفته من جرائم بحق الإنسان.
إعلام enks اورفا
التعليقات مغلقة.