المجلس الوطني الكوردي في سوريا

محمود عباس: أوجه الخلاف في نقد الأحزاب الكوردية

117

من الإجحاف أن يرى الكوردي (مجلس الشعب الكوردي، والمجلس الوطني الكوردي بأحزابهما) قطبا الحركة الكوردية في جنوب غربي كوردستان، ومن الغبن تهمة الناقد لهما أو لأحدهما بالوسطية، أو بالمتقاعس في تعرية الأخر، كما وأن ترويج مصطلح (المثقف السلبي) على خلفية نقدهما غبن بمصداقية المثقف الكوردي وتهمة باطلة بحق شريحة واسعة ترى ما لا يراه المنحاز إلى جهة دون أخرى، فالعبارة المستوردة من كتب مفكرين أمثال أنطونيو غرامشي الذين كان لهم بيئتهم وظروفهم في إصدار مثل هذه المصطلحات، والمبنية على منصة وجود حكومات ودول وطنية ينتمون إليها وعلى خلفية الصراع بين المعارضة والسلطات، لا تتلاءم والبيئة الكوردية المخالفة لمعظم البيئات السياسية والثقافية في العالم.

أصبحت من المسلمات، وعلى خلفية مجريات الأحداث وما بلغه الشعب، أن الأحزاب الكوردية، بعلاقاتها وحراكها لا تمثل القضية بقدر ما تمثل مصالحها الحزبية، وهذه بحد ذاتها مرثية، مع ذلك، ولأسباب معروفة، سيقت الفرضيات، ولا تزال مستمرة، على أن قطبي الأحزاب يمثلان الشعب، إلى أن برزت وكأن الكورد وحركتهم بدونهما، لن يكون لهم مكان في الصراعات الإقليمية، ومعظمنا يعلم أن عوامل وجودهما مرهونة بالمصالح الإقليمية قبل الكوردستانية، يذبلان كلما تقاعسا عن أداء الأجندات المفروضة عليهما، وقد يزولا في حال فضلا المصالح الوطنية والقومية على الحزبية. هذا ما جبلا عليه وما يجب أن يتصفا به ليستمرا ويؤديا مهامهما الرئيسة قبل القضية.

ورغم المعرفة التامة أن الطرفين المفروضين على الشعب وحركته دون مستوى القضية، مع ذلك نقد أحدهما لا تعني الانحياز للأخر أو الوسطية، لأن الوقوف فيما بينهما لا تقل سلبية عن دعم طرف وتخوين الأخر، فالمثقف المتكلم والناقد لأخطاء الطرفين لا تنقصه الجرأة، ومن الخطأ: الصراع على خلفية عدم تطابق الدروب، إن كانت تكتيكية أو حتى استراتيجية، أو معاداة الطرف الأخر لعدم المطالبة بنفس المطالب التي نودها، أو نجدها الأنسب للأمة، لا يمكن للمثقف المنحاز بمطلقه في مرحلة التحرر أن يكون تنويريا.

نعم، أحزابنا نواقصها عديدة، وأخطاؤها فاضحة، سلبياتها رافقتها منذ ولادتها، حتى ولو كانت على سويات مختلفة، تتفاقم كلما توسعت إمكانياتها، أو كانت للأخرين بهم حاجة، وهي ومنذ ولادتها دون مستوى القضية وتمثيل الشعب، فهي تشكلت على اختلافات، وتطورت إلى خلافات، وتحولت في الثمانينات وما بعدها إلى صراعات، ومعها ظهر منطق الأنا وإلغاء الأخر، تفاقمت في السنوات السبع الأخيرة إلى حواف الجريمة الوطنية والقومية، طرف استخدم القوة والتخوين بلغت حد الاغتيالات بحق منتقديه، والأخر كرد فعل ألغى منافسه من الحيز القومي الكوردستاني، بناء على منهجيته ذاتها لا لغاية تصحيح مساره بل لتقزيمه، فهما:

أولا، وريثا الحقبة السوفيتية حيث المطلق في القرارات، وإلغاء الأخر.

ثانيا، لا تزال تعاني حتى الأن من مصاعب اختراقات النظامين البعثي والأسدي لهم.

ثالثاً، معظم قادتهم لا يزالون في السجون الفكرية للسلطة، ولم يرتقوا إلى معرفة الأساليب السياسية والدبلوماسية العالمية، هذا المحيط المحدد لهم إقليميا ودوليا.

رابعاً، كانوا مرغمين ألا يسمحوا للشريحة المتمكنة من تجاوزهم، والحد من نشاطات الأطراف الأخرى من الحركة، إلى جانب سيطرة الفكر الشمولي رغم ضعفهم، وهذا ما يتمكنون منه، وعلينا ألا نطالبهم بقضايا وكأنهم حكماء وعلى مقدرة من حملها وحلها ولا يرغبون.

خامساً، علينا ألا ننسى العوامل الموضوعية، منها: عامل الاقتصاد، والمؤامرات الإقليمية، والمصالح الدولية ما بين الكورد والدول المستعمرة لكوردستان، وحيث يفرضون الأحزاب على الأطراف الأخرى من الحركة ويساعدونها لتكون في الواجهة.

مع ذلك، وعلى خلفية الشروط الموضوعية والذاتية، ورغم أن الطرفين أضرا بالقضية على قدر ما ملكوا أو ما أعطيت لهم من الإمكانيات، تظل لكل جهة نهجها، ولها الحق في اختيار الأساليب الملائمة لرؤيتها والمأمولة أنها بها ستبلغ الغاية الوطنية أو القومية، وعلى الأطراف الأخرى من الحركة على الأقل وكقوة منافسة وطنية وقومية بذل الجهد لتجاوزهم وتحقيق الأفضل وتقديم ما لم يستطيعون تحقيقه، وفي ذات الوقت نسمح لهم تحقيق ما يستطيعون تحقيقه، فالمطالبة بعزلهما، أو إزالتهما، لن تحصل الحركة بكليتها على الإمكانيات الملائمة لتقديم الأفضل.

ويدرك الجميع أن القوى الإقليمية عتمت عن طريقهم على الطامحين في خلق حركة كوردستانية تمثل القضية وتكون على مستواها في المحافل الدولية والإقليمية، ولم تتمكن القوى الواعية من خارج القطبين فرض رؤيتها على الجهتين، بل تكالبا كل من جهته عليها، وتعرضت إلى كل الموبقات لئلا تنجح في مهامها الوطنية، علما أنها الأصح والأصوب في تعرية الأخطاء والسلبيات من الطرفين، ولم يتخلوا يوما عن النقد بل والنقد الحاد، والعمل على فتح بصيرة مسؤولي الأحزاب على ما هم فيه من مصاعب.

ومن جهة أخرى لم تنتبه أغلبية الحركة الثقافية ولا الأطراف المستقلة، أو أنها لم تراعي، أن وجود هذه الأحزاب وتجمعهما ضمن قطبين متصارعين وفي مراحل النضال التحرري من ضروريات صيرورتها، فخاضوا معهم الصراعات الداخلية، وعمقوا الخلافات، دون أن يتداركوا مخططات القوى الإقليمية ومربعاتهم الأمنية، ونسوا في مراحل عديدة، أن الحركة الثقافية تمثل ضمير الأمة وسلطتها المعرفية، وعليها تقع مهمة التنوير، وردم الخلافات، وخلق أجواء التقارب، وبالتأكيد أنه لا يمكن لشعبنا الكوردي النضال بدون وجود منظمات سياسية، وأحزابنا جزء منها، لكن ليس على هذا النهج وفي الحاضنات المفروضة عليها.

فإما إن الإخوة المنحازون إلى جدلية القطبين يتناسون أو لا يدركون، أن المواقف الوطنية تحتاج أن يقدم الفرد إسهاماته الفكرية بجرأة لا بتهور، ويكون متعدد الأبعاد، لان المثقف أو السياسي السلبي هو الذي يتمسك ببعد واحد، أو الصامت إلى درجة التغاضي عن سلبيات محوره أو إيجابيات المخالف له. فماذا قدمت الشريحة ذات القطب الواحد للمجتمع الكوردستاني لإنقاذ حركته، وخاصة الأحزاب المرتبطة بالأجندات الخارجية، من الصراعات المتأزمة، والخلافات المتجذرة، ومن المثل الدارج بيننا نحن الكورد بأننا أعداء ذاتنا؟ باستثناء توسيع شرخ الصراع، وإضعاف البعض داخليا وأمام القوى الخارجية المعادية والصديقة. أين غابت الحكمة والتنوير؟

هذه مسلمات يدركها الحزبيون، في الطرفين، قبل العامة والسياسيون المستقلون، كتب فيها الكثيرون من الحركة الثقافية، ولسنا بصدد التهجم أو الطعن، فما يحملونه من الضعف والمعاناة والمآسي تكفيهم، ورغم أن الظروف الملائمة جاءت ولم يتمكنوا من تحقيق الكم المناسب من المكتسبات، بل وفي الفترة الأخيرة بدأت تخسر ما قدم لها، وأنها مع الجزء الواسع من الحركة أصبحت مستهلكة، مع ذلك ومن الواجب ألا تسلبنا الإحباط، ويتوجب علينا، مساعدتهم، بتنوير دروبهم، وإيجاد مخارج لهم، وإنقاذهم من: سدنة الدار، والإملاءات الخارجية، ومن المفاهيم الضحلة التي روجتها قادتها الوهميين أو المراقبين من وراء الستارة.

لا شك معظمنا ليسوا ملزمين بمساعدتهم، لكن وطنيا وقوميا ولربما أخلاقياً، ولأننا جزء من الحراك الكوردستاني، يتوجب علينا إرشادهم قدر الإمكان، أو تركهم والقيام بما لا يتمكنون منه، وحمل القضية عوضا عنهم، وإعادة بعث الحركة بشكل جديد، ما دامت الحاضرة لا تملك القدرة على حمل مسؤولياتها، أو أنها دونها قدرة وإمكانيات.

فمعظم انتقاداتنا للأحزاب، أو للقطبين كما روج جدلا، لا تؤدي إلى نتائج إيجابية، لأننا نتحدث وكأننا خارج القضية، أو أننا نضع ذاتنا في منصة المراقب والمحلل، وهم أصحابها، وهنا ومن خلال هذا المنطق لا يحق لنا انتقادهما أصلا، فهما يقدمان ما  يتمكنان منه، ونحن نعرض ذاتنا كمراقبين للإشكاليات المعيقة لمسيرة أمتنا، دون أن نقدم، كطرف رئيسي في الحركة، وأصحاب القضية، الحلول المنطقية لإعادة تكوين البيئة الفكرية التي نتمكن من عليها التصالح والتفاهم، والتوافق على نقاط التقاطع بيننا، لنصبح حركة كةردستانية متناغمة، نكون على مستوى القضية، ومعها الأحزاب الحاضرة، نحمل معا مهماتنا بوعي وثقة بالذات، ونقود الأمة إلى حيث الأمان.

فما نحتاج إليه، وفي هذه الفترة العصيبة وحيث بدأنا نخسر المكتسبات المقدمة لنا، معالجة سلبيات أحزابنا لا قتلها، وعدم الانزياح إلى جهة بمطلقه، وغض الطرف عن سلبيات أو إيجابيات طرف دون أخر، والخوض معهما في الصراعات الداخلية المفتعلة إقليميا، والابتعاد قدر الإمكان من لغة الهجوم والتخوين وعزل الأخر المخالف بالاعتقالات واستخدام القوة، ويجب مطالبتها بتجديد ذاتها بدءً من قياداتها، وإرضاخها لتقبل الشباب الواعي والوطني لتوجيهها إلى الدروب المتوقعة أن تكون ناجعة وخالية من الإملاءات الخارجية. فليعمل كل من جهته، وليتقدم الأفضل بمشاريعه، ومخططاته لإنقاذ الأحزاب، بل الحراك، من الضياع، والشعب من الاحتلال.

المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له علاقة بوجهة نظر الموقع

التعليقات مغلقة.