المجلس الوطني الكوردي في سوريا

محمود عباس : مصداقية الباحث العربي محمد جمال باروت مثالاً ” الجزء الثالث عشر”.

163

مصداقية محتويات الكتاب-3

  استناداً على المصادر العربية والأجنبية، يتوضح، بأنه قبل الغزوات العربية الإسلامية الأولى لم يكن هناك وجود للعنصر العربي في الجزيرة، أو ما يسمى ببلاد ما بين النهرين، وحتى تلك القبائل التي كانت تعيش على تخومها الجنوبية حيث البادية السورية والأنبار، تمددت في فترة الاجتياحات العربية الإسلامية، وسكنت في بعض مناطقها في المراحل الأخيرة من الخلافة الأموية والأولى من العصر العباسي، والتسميات التي ظهرت فيما بعد كانت في حقيقته تضخيم لمكانة قبائل بني بكر؛ وبني ربيعة؛ وبني مضر، الحائمة في البادية وجنوب الأنبار، والأطراف الجنوبية للجزيرة، لغاية التوسع في الغزو ، فمعظم بطون هذه القبائل كانت ترفض اعتناق الإسلام حتى فترة متأخرة من الخلافة الأموية.

 فتغاضي الكاتب وغيره من المؤرخين العروبيين ومثقفيهم عن هذه الحقيقة التاريخية، وعدم محاولة تقييمها، نابعة من نزعتهم العروبية، لغاية تجزئتها من الجغرافية الكوردستانية، وضمها إلى كيان سياسي ولد قيصرياً لم يكن له وجود قبل قرن من الزمن، وهنا تنكشف هشاشة مصداقيتهم، والتي يبرزها الكاتب محمد جمال باروت بشكل فاضح في كتابه. فهم ولا شك يدركون بأن إضفاء أسماء تلك القبائل على المناطق وتقطيع الجزيرة الفراتية لملكية تلك القبائل، كانت خدعة سياسية قام بها القادة المسلمون الأوائل، لحثهم على الانضمام إلى القبائل العربية الإسلامية، وعلى أثرها شاركت في نهب المدن والمراكز الحضارية، التي سميت باسمها دون أن يسكنوها. (وبالمناسبة، تسمية الغزوات هذبت ووصفت بالفتوحات، تماشياً مع تشرب الخلفاء والمؤرخين العرب الإسلاميين لبعض المفاهيم الحضارية، والبلاذري كان أول من أستخدم هذا المصطلح البديل، بعد أن كتب “فتوحات البلدان” وكانت فبركة تاريخية وتحريف لماهية الغزوات، وتأويل متواتر بفقه منافق، ومخالف للنص، والمصطلح في بعده الفقهي مطعون فيه لأنه نقد غير مباشر لتسمية الرسول والخلفاء حتى منتصف العصر العباسي لحملاتهم، بدءً من غزة بدر وأحد إلى أن برزت هذه التسمية).

 ويعرض الكاتب محمد جمال باروت، القبائل العربية الثلاث كأصحاب للجغرافية، متغاضيا عن التناقض ما بين الاسم والحضور الديمغرافي الجغرافي، ويضخم من الفبركة التاريخية، التي ظهرت بعد الغزوات بقرون وتم تفعيلها لا حقاً في كتب التاريخ العروبي، لبلوغ غايته وهي تعريب جنوب غربي كوردستان، دون سند، والتي هي جل هدفه من نشر الكتاب، والفبركة التاريخية هذه تدحض بمقولة للقلقشندي في كتابه (قلائد الجمان في التعريف بقبائل عرب الزمان) الصفحة(11-12) حول الفترة التي قدم فيها العرب إلى الجزيرة وفيها يذكر” وجزيرة العرب هذه تشمل على خمسة أقسام…ويدخل في هذه الجزيرة قطعة من ببلاد الشام، منها: تدمر وتيماء، وتبوك… ولم تزل العرب بعد ذلك كله في التنقل عن جزيرة العرب والانتشار في الأقطار إلى أن كان الفتح الإسلامي، فتوغلوا في البلاد حتى وصلوا إلى بلاد الترك وما دناها، ونزلت طائفة بالجزيرة الفراتية)  ويضيف على لسان صاحب مسالك الأمصار في الصفحة(71) “وبالرحبة قوم من ربيعة” والرحبة هي منطقة تقع في جنوب مدينة الميادين أي جنوب الفرات الأوسط.

كما وأن استناد بعض المؤرخين العروبيين حديثي العهد، على رسالة الخليفة عمر بن الخطاب، لأبي عبيدة أبن الجراح التالية: ” فإذا قرأت كتابي هذا فأعقد عقد لعياض بن غنم الأشعري وجهز معه جيشا إلى أرض ربيعة وديار بكر” غير كافية، أولاً، لأن الرسالة ليست متواترة فقط بل مطعونة فيها، إن لم تكن جناية وسذاجة وتلاعب وفبركة للتاريخ إلى حد السخرية، لأن، أبا عبيدة توفي في عام 18 هجرية، بمرض طاعون عمواس، التي رجع بسببها عمر بن الخطاب إلى المدينة، من رحلته نحو القدس. وكانت حينها جيوش العرب لا تزال تقاتل على أطراف الشام، وكان عياض بن غنم لا يزال في جيش أبي عبيدة، وحتى البادية الشامية جنوب إمارة الغساسنة التي لم تكن قد فتحت بعد، ولا مدينة قيسارية ذاتها على غرب الشام وهي مدينة ساحلية بأجناد أرض فلسطين، فتحها معاوية في عهد أخيه يزيد ابن أبي سفيان والي الخليفة عمر بن الخطاب بعد وفاة معاذ بن جبل الذي خلف أبي عبيدة، ويقال بأن مجموعة من جنوده بلغوا الفرات الأوسط، لكنهم رجعوا إلى فلسطين. وثانياً، لأنه في الرسالة يتم ذكر أرض القبائل وهي تقع في جنوب الفرات الأوسط، وأطراف بادية الشام، ولا تعني أرض الجزيرة، ولا المناطق الكردستانية التي أضفيت عليها أسماء هذه القبائل لاحقاً.

والأغرب أنهم يتناسون بأنه في عهد الخليفة لم تكن أسم مدينة (آمد) قد حورت بعد إلى ديار بكر ولا المنطقة، وجميع مؤرخي تلك الفترة يذكرونها بهذا الاسم، وأن هذه الديار كانت لاتزال في عهد الخليفة خارج حكم المسلمين، أي عندما كتبت الرسالة، فيما لو كانت حقيقة، وحينها كانت جيوش العرب دون حمص، وأطراف الفرات الأوسط، والإمبراطورية البيزنطية كانت لاتزال تسيطر على المنطقة. وكان القصد من الرسالة مناطق بادية الشام. وفي هذه الرسالة بالذات تكمن مدى ضعف الحجة عند الباحثين العروبيين. ولتوثيق هذه الفبركة يجب العودة إلى رسالة أخرى، تلك التي بعث بها الخليفة عمر بن الخطاب إلى عياض بن غنم، لفتح الجزيرة، والتي تتبين فيها حقيقتين وهي أن الجزيرة ومدنها كانت خالية من العرب، والثانية أنه لم يرد فيها ذكر لبني مضر أو بكر أو ربيعة، وبمقارنتهما يتبين أن الجزيرة وأرض ربيعة وديار بكر جغرافيتين منفصلتين عند الخليفة.

والأهم ما كانت عليه الجزيرة من حضارة، وأن دخول أبناء المنطقة الإسلام كان بسبب الخوف من بشائع القبائل العربية الغازية، وهي تتبين من خلال فتح الرقة، وحديث عياض بن غنم مع أحد بطارقتها اسمه (بنطس) والرسالة والحديث وردهما كل من الطبري وياقوت الحموي وابن الأثير، وأبن إسحاق وغيرهم، والتالي جزء من نصها، وهو نص مترجم من الفارسية لفقدان الأصل، فتقول ” بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب عبدالله عمر، أمير المؤمنين إلى عياض بن غنم الفهري أما بعد، سلام عليك،…واعلم بأن قواد الروم قد اجتمعوا في بلاد الجزيرة، لذا فإنني عازم على إرسال جيش لمقابلتهم وأحتاج إلى قائد شجاع وعاقل يخاف الله وقد تذاكرنا حول هذا الموضوع وتشاورنا مع وجهاء الصحابة فأجمعت الآراء على انتخابك أنت لهذه المهمة…” والخلاف هنا واضح بين رسالة عمر بن الخطاب لعياض بن غنم ولأبي عبيدة بن جراح. والواقدي عندما يذكر بأن عياض جهز معه جيشاً إلى أرض ربيعة وديار بكر، يقصد جنوب بادية الشام التي لم يبلغها المسلمون بعد، في عهد أبي عبيدة بن الجراح، وليست منطقة الجزيرة والتي تم غزوها بعد وفاته.

وفي هذا السياق لا بد من ذكر جزء من رسالة أبي عبيدة  أبن الجراح، قائد جيوش الخليفة عمر بن الخطاب، إلى أهل الأمصار التي غزوها، لمعرفة الخلفية الثقافية التي كانوا عليها، والتي ترسخت في أحفادهم العروبيين، وادعائهم ملكيتها بأساليب جديدة، ففي كتاب الفتوح لأحمد أبن أعتم الكوفي، الجزء الأول الصفحة (141) والذي يستند فيها كثيرا على  هشام بن عبدالله الأزدي، وفتوح الشام للواقدي، ويقول على لسان أبي عبيدة بن الجراح، قائد جيوش الخليفة عمر بن الخطاب بعد عزل خالد بن الوليد وكانوا لا يزالون دون الشام ” ورثنا الله إياها فأخذناها بأسيافنا وفتحناها عنوة وغنما ونزعها الله من أيديكم وجعلها في أيدينا، …وأما ما ذكرتم من بلادنا أنها بلاد البؤس والشقاء فقد صدقتم أنها لذلك كما ذكرتم وقد أبدلنا الله عنها ببلادكم هذه ليبلو صبرنا وشكرنا، …وأبدلنا بلاد البؤس والشقاء ببلاد الخير الكثير والعيش الرفيع والجناب الخصيب، وكنا أحق بها وأهلها…فلا تحسبونا تاركيها ومنصرفين عنها ولا خارجين منها إلى غيرها…” إلى آخر رسالته…

يتبع…

 

 

التعليقات مغلقة.