محمود عباس: إسرائيل في الملف السوري 2/2..
إسرائيل في الملف السوري
2/2
ملف المعارضة السورية
تتجاوز عدد الدول والمنظمات الموجودة والمتصارعة على الأرض السورية، تلك التي حاربت بعضها في الحرب العالمية الثانية على الأراضي الألمانية، والتي كان للشعب اليهودي حضوره فيها، مثلما اليوم لدولتهم إسرائيل، وبشكل غير مباشر، حضورها ضمن الصراع الجاري في سوريا، مدركة أنها ستكون من ضمن إحدى الدول الأكثر تضرراً، فيما إذا لم تبنى سوريا المستقبل حسب الموازين الحضارية، ولهذه الغاية، أي لتحفيز إسرائيل والدول الداعمة لها على التدخل في مسار الصراع السوري، إلى جانب غيرها من الأسباب المتعلقة بوجود النظام أو عدمه، كرست سلطة بشار الأسد، في بداية الثورة، كل جهودها على تحريف المعارضة السلمية إلى معارضة تكفيرية إسلامية مكروهة دوليا، وسياسية خارجية منافقة وانتهازية مخترقة، سهلة شراؤها واستغلالها، وفاقمت منها توجيه المعارضة من قبل قادتها التكفيريين الذين أطلقهم المربعات الأمنية لسلطتي سوريا وإيران من سجونها، أو الذين كانوا في سخرة القوى الخارجية، على جعل إسرائيل هدفا مستقبليا لحروبها، وهذا ما كانت تتمناه وخططت له سلطة بشار الأسد وأئمة ولاية الفقيه، وللأسف لم تكن للمعارضة الحقيقية الإمكانيات للحد من هذه التوجهات الخاطئة.
تداركت إسرائيل هذه المعادلة، فكثفت جهودها لئلا تكسب هذه المعارضة بالذات الصراع، للحفاظ على سلامة شعبها، ووجودها، وليست لها مطامع في سوريا سوى السلام معها، بعكس تركيا وإيران ذات النوايا التوسعية، إما باقتطاع أجزاء من أراضي سوريا أو احتلالها، وهي من أحد المسببات في تعقيد قضيتها، وزيادة احتمالية تقسيمها، وتقلل من عملية تكوينها كدولة فيدرالية لامركزية، فالأولى تخطط لاحتلال الشمال السوري بعمق 30 كم وذلك تحت حجج واهية منها حماية أراضيها من الكرد، وإيران تعمل على جعلها دولة تابعة لمرجعياتها الشيعية أو محتلة عن طريق ترسيخ قواعدها العسكرية أو تكثيف تواجد أذرعها على الأراضي السورية، إلى جانب مطامع الدول الكبرى كمخططات ترسيخ وجودها عسكريا، أو لاستغلال إمكانياتها الاقتصادية.
كانت على المعارضة، أن تتدارك هذه المعادلة، وأن تضع حداً لألاعيب السلطة، وتجاوز الدول الإقليمية، ولو كانت حقا تطمح إلى كسب الرأي العام العالمي أو الشارع السوري، وتفضيل الحيز الوطنيعلى مصالح شرذمة مأجورة تحكمت بمصير المعارضة ولوثت مفاهيمها، وتدافع كما تدعي عن الشعوب السورية، كانت عليها قبول إسرائيل والتعامل معها بشكل مباشر، لكن مثل هذه المطالب من منظمات تكفيرية إسلامية راديكالية ومأجورة لخدمة سلطات إقليمية، ومن ضمنها السورية، لن تتمكن من تجاوز الإملاءات المفروضة عليها، ولا مفاهيمها الجامدة والموبوءة. والأن وهي في الواقع المزري الحالي، ولتقطع الدروب عن سلطة بشار الأسد والمتربصين بسوريا، يتوجب على البقية الباقية من المعارضة، أو من الشريحة الناجية النزيهة منها، التخلي ببيان رسمي عن استمرارية الصراع العسكري، وترك المناطق التي تحت سيطرتها شكليا، والانتقال إلى النضال السلمي السياسي، والعودة إلى شعار إسقاط النظام بكليته، والمتضمنة المعارضتين، السياسية الانتهازية، والعسكرية التكفيرية، إلى جانب سلطة بشار الأسد، والاعتراف بإخطائها المصيرية، ومنها: مخططات إزاحة المعارضة الحقيقية عن الساحة، وعمليات القضاء على رموزها، وبأساليب مماثلة لأساليب السلطة. ومؤامرات محاربتها الكورد، وعدم الاعتراف الدستوري بهم كشعب قائم على أرضه التاريخية. وعليها كما كان يجب أن تفعله منذ بدايات الصراع مع السلطة، فتح أبواب الحوار السياسي والدبلوماسي مع إسرائيل كدولة، وعلاقاتها مع سوريا، والتخلي عن أن تكون عراب القضية الفلسطينية، وتركهم يتناولون قضيتهم بين بعضهم.
لأن استمرارية المعارضة خلال السنوات السبع الماضية على نهج الأسد بظنية عداوة إسرائيل، وطرحهم في كل مناسبة، مسألة مواجهتها، حتى ولو كانت بشكل نظري، إلى الحد الذي أفتى بها البعض من فقهاءهم، أدت إلى تخلي معظم الدول عنهم، وعلى رأسهم أمريكا، وعلى أثرها لم تجد لا إيران ولا روسيا من يعترض بشكل جدي على مجازرهم في سوريا، مع ذلك لم تبالي المعارضة المأجورة إلى أن محاربة إسرائيل هي في الواقع تعني مواجهة أمريكا، وجميع المحللين السياسيين يعلمون أن إسرائيل عن طريق لوبيها هي التي تتحكم في معظم القرارات الخاصة بالشرق الأوسط لأمريكا، وعليه فالتغاضي الأمريكي عن المعارضة، كانت من نتائج عدم عرض حلول منطقية مع إسرائيل بدل معاداتها، وهو ما أدى إلى التساهل الأمريكي مع روسيا عندما وضعت الأخيرة 170 منظمة عسكرية من المعارضة ضمن قائمة الإرهاب، وقننت من تسلحيها بشكل مباشر أو فرضت سقف المساعدات العسكرية على الدول المعنية بالأمر، في الوقت الذي صعدت فيها روسيا من قصفها، أي عمليا تخلت أمريكا عن المعارضة، ومن حينها ظهرت بوادر أفولها.
لا شك النهج الإسلامي التكفيري المعادي لإسرائيل، والمبني عليها المعارضة العسكرية وأغلبية السياسية التي أبرزت على الساحة، خدمات جليلة للسلطة ولإيران، وهذا ما تفعله تركيا الأن على الإعلام، ولكن لغايات آنية، وإلى الحد المحافظ فيه على عمق العلاقات الاستراتيجية العسكرية والاقتصادية مع إسرائيل. علما أن تصريحات قادة المعارضة العدائية اللامسؤولة لإسرائيل، لم تستند إلى عمق فقهي، ولا تخدم المصلحة الوطنية، وأضرت ليس فقط بهم كمعارضة بل بالمجتمع السوري عامة، فمواقفهم كانت ترسيخاً لصراع مع أفضل دولة ديمقراطية ليست فقط على مستوى الشرق الأوسط، بل على مستوى العالم، وبالتالي كان مصيرهم الفشل، وحتمية الأفول.
وبغض النظر عن الصراع الجاري بين إسرائيل والشعب الفلسطيني، والتكثيف الإعلامي العربي ضدها، والتحريضات الإيرانية للحركة الفلسطينية وخاصة حماس لمحاربتها، تبقى إسرائيل أفضل الدول الإقليمية في معاملتها مع الفلسطينيين، ولا يمكن مقارنتها مع الأنظمة العربية والإسلامية المجاورة، وأساليبهم الإجرامية للشعوب المغلوبة على أمرها، ومن بينهم المعارضة السورية والنظام. وكسؤال جدلي، ماذا كانت ستؤول إليه مصير الفلسطينيين المقاومين، في ظروف سلطة بشار الأسد الحالية أو تحت جدلية وجود المعارضة التكفيرية الإسلامية العروبية، أو في ظل حكم جميع الدول العربية، أو مع إيران أو تركيا، أو غيرهما من الدول الإسلامية؟ إسرائيل الدولة الوحيدة في المنطقة تتعامل، رغم بعض التجاوزات ولظروف معينة مع القضية الفلسطينية، بعمق ديمقراطي، وهو الفضاء المحافظ على عدم حدوث المجازر، بينها وبين الفلسطينيين بل والدول المجاورة، كالتي فعلتها المعارضة السورية والسلطات العروبية والإسلامية بشعوبها.
فمعاداة إسرائيل بتلك السذاجة من قبل شريحة انتهازية إسلامية كانت من أحد بوادر تحريف الثورة عن مسارها، ومنهم تم تشكيل المعارضة التي ساومت على مصير الشعوب السورية في المؤتمرات السابقة وساومت مؤخرا في أستانة 9، وهي التي كرهت الدول الصديقة للشعب السوري بقضيته، وتخليهم عنه في محنته، حتى أن البعض ساعدوا على بقاء سلطة بشار الأسد، ومنهم من قارنوه بالمعارضة بل وأحيانا تم تفضيله، رغم كل جرائمه ومجازره، وتدميره للوطن.
كما وكانوا السبب في التعتيم على المعارضة النزيهة، وتغييب ممثلي الشعب الحقيقيين المجتمعة من أجلهم في بدايات الثورة ثمانين دولة، وعلى رأسهم أمريكا، معظمهم ساندوا شعار الثورة والشارع السوري، والبعض منهم طالبوا بتغيير النظام، وليس فقط سلطة بشار الأسد.
كانت من الأمور الحتمية أن تتجه مصير المعارضة المنافقة والانتهازية إلى ما ألت إليه، وأفولها الحالي انتصار لقسم كبير منهم (الانتهازية والمنافقة) ولأربابهم ومن بينهم سلطة بشار الأسد. وما يتم الحديث الأن عن تمثيل البقية الباقية المحصورة في عفرين أو جرابلس أو إدلب كممثلين عن السوريين في المؤتمرات، تجديد للنفاق الدولي على السوريين، وهي مرحلة وقتية ستتخلى عنهم تركيا عاجلا أم آجلاً، ففيما إذا فرضت روسيا وأمريكا على أردوغان الخروج من سوريا، حينها ستكون قد بلغت فلول هذه المعارضة نهاياتها، ولا تعني هذا أن المعارضة الحقيقية منتهية، بل ستظل وستستمر ما دامت هناك أثار للنظام الحالي.
المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له علاقة بوجهة نظر الموقع
التعليقات مغلقة.