المجلس الوطني الكوردي في سوريا

محمود عباس: مصداقية الباحث العربي محمد جمال باروت مثالاً الجزء “الثاني عشر”

165

مصداقية محتويات الكتاب-2

6 –يحاول الكاتب تعقيد الإشكالية التاريخية لمنطقة الجزيرة الكوردية، والتي هي جزء من جغرافية كوردستان الكبرى، عندما يقول في الصفحة (43) أن “الجزيرة السورية(الكبيرة) تتشكل من محافظات دير الزور والرقة والحسكة، أو ما يمكن تسميتها ب (الجزيرة الوسطى من إقليم الجزيرة الفراتية) التاريخي، وهي تضم أجزاء من “ديار بكر” و “ديار مضر” السابقة، لكنها تضم “القسم الأكبر من ديار ربيعة” ” فيخلط هنا متقصداً ليس فقط الواقع الجغرافي الجاري، بل يخالف المصادر التاريخية الإسلامية التي يستند عليهم كثيرا في كتابه في حوادث غير هذه، ففي هذا المجال لم يأتي بمصدر حديث ولا القديم ليثبت مقولته الجغرافية التاريخية، أو لنقل الخلط العشوائي-السياسي.
وعلى الأغلب تقصد بهذا المزج ضم جنوب بادية الشام، أو شمال الجزيرة العربية وجنوب الأنبار، حيث مساكن قبائل بني ربيعة ومضر وبكر، وعرضها تحت تسمية الجزيرة، أي دمج الجزء بالكل، ليعيدها إلى تاريخ واحد، ومرجع واحد، ويدرج تحت جغرافيتها حوادث تاريخية، قد تكون مجرياتها في جنوب بادية الشام، أو جنوب الفرات الأوسط، ويصيغها على كلية الجزيرة، ويهمش بها الوجود الكوردي في جنوب غربي كوردستان، والتي يعتبرها القسم الأكبر من ديار ربيعة كما يقول في (ص 44)، إي ما يعرف بجنوب غربي كوردستان، ويقتطعها بتلك الخدعة البسيطة عن جسمها الأصلي كوردستان الكبرى.
ولتبيان دحض مقولته تلك، وأن الجزيرة لم تكن تشمل جنوب الفرات الأوسط وبادية الشام، أو ما يعرف بالحدود الفاصلة بين الجزيرة وبادية الشام، و حتى في تجاوزها النهرين من طرفيها الشرقي والغربي، لا بد من العودة إلى الكتب السماوية المقدسة، التوراة والإنجيل كبداية، ومن ثم إلى المؤرخين الإغريق أمثال هيرودوتس، وثيودورس الصقلي(القرن الأول قبل الميلاد) والذي تحدث عن الكعبات في الجزيرة العربية وأول من ذكر الكعبة الحجازية في التاريخ، والمؤرخ المسيحي سكستوس يوليوس (توفي عام 250م)، وإلى الإغريق الذين ذكروا منطقة (ميزوبوتاميا، أي بين النهرين) لأول مرة، وإلى الرومان، أول من حددوا جغرافيتها ضمن الإمبراطورية، وإلى مقدمة كتاب (ميزوبوتاميا في التاريخ) النسخة الإنكليزية، للمؤرخ كوين دوليون ليج، عندما يقول بأن الرومان في عام(115م-117م) حددوا المنطقة ما بين نهري الفرات ودجلة، شرقاً وغرباً، ومن جبال طوروس شمالاً إلى الخليج الفارسي جنوباً، من حيث الحيز الجغرافي، لكن في العمق التاريخي، فتشمل المناطق التي قامت عليها الحضارات، الأكادية، والبابلية والأشورية، وفي الجنوب السومرية، وهذه الحضارات توسعت في الشرق والغرب من النهرين، وهي بلاد النهرين وليست بلاد ما بين النهرين.
تواترت حدود المنطقة الجغرافية(الجزيرة) بشكل اعتباطي، عند معظم المؤرخين الإسلاميين، قلة منهم يحصرها في الحيز الجغرافي، ما بين النهرين شرقا وغرباً، لكنهم جميعهم لا ينحدرون نحو الجنوب حيث بادية الشام، وحاولوا تطبيق منطق بلاد النهرين على الجزيرة لتوسيعها من ناحية الجنوب دون الاعتبار للتضارب البيئي واختلافات الطبيعة الجغرافية. ففي نهايات العصر العباسي، أضيف إليها كبعد سياسي، شمال بادية الشام وغربي الفرات الأوسط، علماً بأنه في الغزوات الإسلامية الأولى التي تمت على يد عياض بن غنم، عدت الرقة من أوائل المدن في منطقة الجزيرة من ناحية الجنوب الغربي، والتي تم غزوها. هكذا وردت جغرافية الجزيرة في التاريخ، ومن بينهم أبن الأثير، وبدون ذكر للوجود العربي فيها قبل الغزوات الإسلامية، وكذلك عند ابن خلكان في (معجم مقيدات بن خلكان)، الصفحة(132) في حرف الدال، أثناء ذكره مدينة (دُنَيسَر) فيقول” وهي مدينة بالجزيرة الفراتية بين نصيبين ورأس عين، تطرقها التجار من جميع الجهات. وهي مجمع الطرقات، ولهذا قيل لها: “دُنَيسَر” وهي لفظ مركب عجمي، وأصله: دُنيا سَر، ومعناه رأس الدنيا. وعادة العجم في الأسماء المضافة أن يؤخروا المضاف عن المضاف إليه. و”سَر” بالعجمي: رأس” ولا نظن بأنه هناك إثبات أكثر من هذا على كردية المدينة والمنطقة، فالكلمة “سر” هي كلمة كردية، وفي اللغة الكردية عادة يؤخرون المضاف عن المضاف إليه. كما وبحث عن الجزيرة كل من القلقشندي، وأبن خلدون لاحقاً استندوا على من سبقوهم. ويقول عبد الحكيم الكعبي، في كتابه (الجزيرة الفراتية وديارها العربية.) في الصفحة (32) أنه ” حينما كانت أرضه خاضعة للاحتلال الساساني أو البيزنطي، فإنه الأقرب إلى الدقة…-يمكن تحديد الجزيرة الفراتية على أساس الظواهر الطبيعية بها، حيث تحد الجزيرة من جهة الشمال جبال طوروس وبعض منابع روافد نهر الفرات، ومن جهة الشرق والشمال الشرقي يحدها وادي نهر دجلة وإقليم الجبال، أما من الغرب والجنوب الغربي فيحدها نهر الفرات وبادية الشام،” ومع ذلك يعدها البعض من العروبيين غير كافية، ويظل ينبش في صفحات التاريخ المفبرك لإعادة المنطقة إلى القبائل العربية.
أما استناد البعض من المؤرخين العروبيين على خريطة محمد ابن حوقل الموصلي المرسوم في (منتصف القرن الثالث الهجري) لتثبيت ملكية بني مضر وبني بكر وبني ربيعة لمناطق الجزيرة، المحددة جغرافيتها، والتي تدحض الحدود التي يرسمها الكاتب محمد جمال باروت، إنها خريطة ظهرت على خلفية تصاعد تفضيل العروبة على الإسلام، وهي الموجة التي بدأت فيها السلطات العربية ومنذ الخلافة، بالانتقال من الانتماء إلى القبيلة إلى الانتماء لكيان الدولة العربية، وبداية تبلور الإحساس بالعروبة على حساب الأمة الإسلامية، وإلا فكان يجب أن تظهر الخريطة الإمبراطورية الإسلامية وليست أسماء القبائل العربية التي كانت لا تزال جزء منها غير مسلمة وتعتنق دياناتها الأولى، كما وأن الخريطة تندرج ضمن نفس الإشكالية التاريخية المتناسية مساكن القبائل العربية ما قبل الغزوات، أي ما قبل اجتياحات القبائل العربية الإسلامية، ويعتمد أبن حوقل على ما تم من إسكان شريحة من تلك القبائل الغازية بعد الاحتلال العربي الإسلامي للمنطقة بثلاث قرون، فيما لو تم حضرهم فعلياً في المناطق الكردية، فلا يستبعد أن هذه التسميات بنيت على الامتداد الديني والهيمنة العربية السياسية عن طريق الإسلام دون الحضور الديمغرافي للقبائل العربية، أي ملكية أو احتلال بالاسم دون وجود، مناطق فرزت لتلك القبائل العربية، لتشجيعهم على غزوها، وعليه درجت كتابة تاريخ ما بعد الإسلام، وخاصة الحديث على تلك الأسس.
وحول تبعيتها للقبائل العربية، وتسمياتها، فسنورد ما قاله البلاذري في كتابه (فتوح البلدان) وتسميته للمنطقة بـ (الجزيرة)، ففي الصفحة(180) من كتابه فتوح البلدان يقول ” وقد اختلفوا في تسمية الأجناد، فقال بعضهم سمى المسلمون فلسطين جنداً لأنه جمع كوراً، وكذلك دمشق، وكذلك الأردن، وكذلك حمص مع قنسرين، وقال بعضهم سميت كل ناحية لها جند يقبضون أطماعهم بها جند، وذكروا أن الجزيرة كانت إلى قنسرين، فجندها عبدالملك بن مروان” ويتبعها بلاحقة تقسيم المناطق وأسمائها في الصفحة (184) ” فلحقوا بفلسطين وأنطاكية وحلب والجزيرة وأرمينية” فأسماء المناطق هنا واضحة، ولا وجود لديار بكر أو ربيعة أو مضر، ولم يكن لهذه المصطلحات ذكر في تلك الفترة الزمنية، ونحن نورد مصادر من القرن الأول الهجري، أي قبل الغزوات العربية الإسلامية للجزيرة السورية، فما بالنا بما قبل خروج الإسلام من الجزيرة العربية. وفي هذا السياق من المهم الانتباه إلى ظهور دراسات أكاديمية تاريخية، تبحث في الاختلاف العرقي واللغوي والديني بين هذه القبائل والقبائل العربية العاربة أو المستعربة المتواجدة داخل الجزيرة العربية، ومنها قريش قادة الغزوات الإسلامية العربية، والمراحل التي تم فيها الدمج وتكوين الشعب العربي، وهي القرون الأولى بعد ظهور الإسلام، وتحول الأمة الإسلامية إلى الأمة العربية، تحت فتاوي الطعن في ترجمة القرآن إلى لغات الشعوب الأخرى التي دخلت الإسلام، والتي وجبت عليها أداء الشعائر الإسلامية بالعربية حصراً، وبالتالي هيمنت لغة قريش على لغات الشعوب الأخرى، ومن ضمنها الشعوب في شبه الجزيرة العربية والتي كانت على شكل قبائل، وتحولت مع التاريخ الأمة الإسلامية إلى الأمة العربية وبمساعدة السلطات العروبية، والتفاخر العربي اليوم ليس سوى وليد مراحل ليست عميقة في التاريخ، وهيمنة الخلفاء الأمويين والعباسيين مبني على الأمة الإسلامية وليست العربية أو قريشية إلا في نزعة حصر السلطة في قبيلتهم، وبالدقة في العائلة الأموية الهاشمية…

يتبع…

التعليقات مغلقة.