محمود عباس: إسرائيل في الملف السوري 2/1 ..
إسرائيل في الملف السوري
1/2
ملف سلطة بشار الأسد
أصبحت زيارات بشار الأسد وبنيامين نتنياهو إلى موسكو وسوجي حيث منتجع الرئيس فلاديمير بوتين كزيارات رؤساء المنظمات السرية، أكثر من أن تكون لقاءات بين رؤساء الدول، فهي تخلى من الأتيكيتات الدبلوماسية، والاتفاقيات المسبقة، وجداول عمل، ونوعية المواضيع، واللقاءات الصحفية، والبيانات الختامية، ولهذه دلالات عدة، منها: على أن مصير المنطقة تتحكم بها روسيا بشكل رئيسي، أو على الأقل هي القادرة على تغيير مسار الكثير من التحركات العسكرية الجارية في سوريا، الجغرافية المحتضنة معظم القوى المتصارعة في المنطقة. وأنه بإمكانها تغير المعادلة السياسية فيها، بالعمل مع أمريكا، وليست مع تركيا وإيران وجلها لغاية تمديد أمد الصراع. وبمقدور روسيا عزل أو الاحتفاظ ببشار الأسد أو حتى بسلطته، أو إخراج إيران وتركيا وأدواتهما من سوريا، أو السماح لهما التمدد بالقدر المطلوب. أو إعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل بقصف سوريا والقوات الإيرانية فيها أو تحجيمها.
فرغم محاولات إسرائيل العديدة الابتعاد أو الوقوف في حالة الحياد من مشاكل سوريا الكارثية، والصراع المدمر، ظلت الدولة المستقطبة لاهتمامات الجميع، ويكاد الكل في الظاهر يتفقون على عداوتها، وفي الخفاء يحاولون استقطابها، وهي تتعامل مع كل الأطراف بنفس المنهجية، بحيث تحافظ على سلامة شعبها وأراضيها، ولهذا تحاول الكثير للحصول على ضمانات من الدول الكبرى لحمايتها، وهو ما يتم من قبل أمريكا والدول الأوروبية وروسيا إلى حد ما، ولأسباب منها:
أولاً، قوة اللوبي اليهودي في العالم، ولا تعني هذا أنهم من اليهود حصراً، فعلى خلفية العلاقات الرأسمالية- السياسية العالمية، تضطر قوى متنوعة الانخراط فيه، وعلى سبيل المثال وكجزء منه منظمة أيباك الأمريكية المعروفة عالميا، وقد لا يعلم البعض أن بينهم العديد من الرأسماليين العرب والمسلمين، بشكل مباشر في الكثير من الأحيان، وهي من القوى الرئيسة التي حافظت على ديمومة سلطتي الأسد الأب والأبن المحافظتين على السلام بين الدولتين. كما وهي التي استخدمت وبقوة الرأسمالية الكمبرادورية التركية، استغلها أردوغان بدراية ودهاء، فرفع باستثماراتهم ودعمهم المباشر للسيولة التركية، الاقتصاد التركي الضعيف إلى المستويات العالمية وجعلتها من العشرين الأوائل في العالم، وتصاعدت بها أوراق العدالة والتنمية السياسية (الإخوان المسلمين التركي) إلى مستويات غير مسبوقة في تاريخ تركيا، والأن بدأ يتراجع الاقتصاد والعملة وسمعة الحزب، على خلفية المواقف التركية الأخيرة من الناتو وأمريكا، والمؤدية إلى تصعيد أردوغان من لهجته ضد إسرائيل، أي عمليا ضد الرأسمالية اليهودية المتغلغلة عن طريق إسلامية أردوغان وحزب العدالة والتنمية، في العالمين العربي والإسلامي الممانع شكليا في السابق، ولم تنقذ أردوغان التقرب من روسيا إلا عسكريا، لذلك بدأ يبحث في الجغرافية الأوربية من جديد.
وثانيا، كون إسرائيل الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، بغض النظر عن الصراع الجاري بينها وبين الفلسطينيين، حيث البعدين التاريخي والديني، المستغلين من قبل الأنظمة الإقليمية للحصول على مكتسبات أكثر من أن يكون دفاعا عن الفلسطينيين أو بحثا عن حل لقضية قومية أو إنسانية وحيث الجميع يعقدونها.
فنضوج هذه العوامل أدى إلى زيارة بشار الأسد الأخيرة والمفاجئة في 17-5- 2018م إلى سوجي لمقابلة بوتين، وخاصة بعد مؤتمر أستانة حيث الجولة التاسعة من المباحثات بين السلطة والمعارضة السورية، ولغايتين:
أولا، للبحث عن مصير المعارضة المجمعة في مناطق إدلب وعفرين وجرابلس، والمسيطرة عليها بشكل فعلي الجيش التركي، أي عمليا تدرج كمنطقة ضمن نفوذ الأخيرة، وللتغطية أدرج أردوغان بندا خاص في البيان الختامي لمؤتمر أستانة ” الحفاظ على وحدة الأراضي السورية” لأنها عمليا بدأت بتقسيم سوريا، وستستمر شبه محتلة تحت حجة مناطق خفض التصعيد، مع الوجود الشكلي للمعارضة، مع العلم أن الموجودة ليست بأكثر من ميليشيات جمعت من فلول المنظمات المتعددة، ولا تملك من الأسلحة إلا الخفيفة أو التي تعطيها القوات التركية، فكما نعلم أنها تخلت عن جميع أسلحتها الثقيلة في المناطق المجلية عنها كالغوطة الشرقية وشمال حمص وجنوب حماة، وغيرها، وعلى أثرها قال بوتين لبشار الأسد في اللقاء الأخير أننا انتصرنا على الإرهاب. مع ذلك روسيا هنا أمام معضلة، إما أنها ستفرض على تركيا بالخروج من سوريا وإنهاء دور المعارضة وإعادة المنطقة إلى السلطة، وهذه العملية ستؤثر بشكل أو أخر على علاقاتهما، أو أنها ستقبل التقسيم الجاري لسوريا والاحتلال التركي وديمومة المعارضة الشكلية، وللخروج من هذا المأزق، ذكر مبعوث بوتين (ألكسندر لافريننييف) أن رئيسه صرح بأنه على جميع القوات الأجنبية الانسحاب من سوريا ومن ضمنها أمريكا وإيران، باستثناء روسيا، وأضاف أن المسألة معقدة للغاية ويجب تنفيذها جماعيا، والرسالة هنا لأمريكا قبل أن تكون لأية جهة أخرى.
ثانيا، لوضع اتفاقية بينه وبين نتنياهو إلى أن ينتهي من المعارضة السورية المسلحة، والمحتملة عودتها في أية لحظة، في حال حدثت تغيرات غير متوقعة في العلاقات الدولية، خاصة وقف أو تحديد قصف إسرائيل للقوات الإيرانية وأدواتها الداعم الرئيس لوجوده في السلطة وصراعه المثار على الحيز المذهبي الشيعي- السني مع المعارضة. ويحتمل أن تكون هناك بداية لشبه اتفاقية بين سوريا أي إيران وإسرائيل، لأن غياب إيران عن الساحة السورية ستزيد من إمكانيات تصاعد المعارضة السنية التكفيرية، وهذا ما لا تريده إسرائيل، وزيادة قوة إيران بحد ذاتها بعد الانتهاء من المعارضة ستزيد من خطرها على إسرائيل بشكل مباشر أو عن طريق أدواتها، وإسرائيل لن تعول على روسيا أو أمريكا في حالات الدفاع الأولية، لذلك الاتفاقية، إن تمت، ستكون بتحديد، وليس إزالة، حجم ونوعية القوات الإيرانية في سوريا.
وعلى الأغلب تم البحث أيضاُ في قضية التخلص من بقايا فروع داعش السورية- الإيرانية المتبقية في مخيم اليرموك، بعد إجلاء فصائل المعارضة من أطراف دمشق، وحسب مجريات الأحداث العسكرية على أطراف دمشق لم يعد لوجود الداعشيين ضرورة، مثلما كانت لهم أهمية كبرى في السابق، والتي على أثرها أمدتهم سوريا بأسلحة ألويتها، وفعلتها روسيا قبل سنة عندما تخلت لهم عن معسكرها على أطراف تدمر بكل أسلحتها الثقيلة، ولمدة شهرين. وهذا ما يتم الأن، بإجلائهم من يرموك والحجر الأسود إلى البادية السورية بعد عودة بشار الأسد من سوجي بأيام قليلة.
ومقابل مجريات الأحداث هذه تتناسى المعارضة السورية، أن وجودها على الساحة أصبحت، ليست بأكثر من قوات مرتزقة تخدم بعض الأجندات وعلى رأسها تركيا، وتخدم بشكل غير مباشر نظام بشار الأسد، وتمزق المجتمع السوري بالطريقة التي تريدها السلطة، وتزيد من معاناته، وتطول من بقاء المهجرين في الشتات، خاصة بعد الخسارات التي منيت بها، وتخلي العالم عنها وعلى رأسهم أصدقاؤها الذين بدأوا يستغلونها لأجنداتهم، كتركيا وقطر والسعودية وغيرهم.
يتبع…
التعليقات مغلقة.