محمود عباس: تداعيات أفول المعارضة السورية .
على ما يبدو، سوريا منتهية، وشعوبها خارج القضية، المحصورة وعلى مدى السنوات الماضية بين المعارضات المنافقة والانتهازية، وسلطة الأسد الإجرامية، فلا مؤتمر الأستانة الجاري (9) ستنقذها، ولا الجنيفات المتبقية، وجميعها لا تتعدى مسألة النفاق عليهم، من المساعدات إلى السلام إلى تعديل السلطة وغيرها.
إلى جانب المذكور، فإن إن إحدى غايات استمرارية عقد هذه المؤتمرات، وقد يكون غريباً، هي الحفاظ على ديمومة رواتب البعض من المعارضة، وكذلك مسؤولي الأمم المتحدة كالسيد ستيفان دي مستورا. وإلا، أليس من الغرابة، أن يوافق وفد السلطة مواجهة وفد المعارضة العسكرية! ويقال ضمن نفس القاعة، والتي لم تعد لها ثقل فعلي على الساحة السورية، إلا التي تأتمر بالأوامر التركية، والأخيرة في أضعف حالاتها، بل في مرحلة تقترب فيها من الأفول.
ألا تعني هذا أن السلطة، وهي في نهاية مراحل انتصارها، تستهزأ مع الدول الإقليمية بالمجتمع السوري؟ وتريد الحفاظ على هذه المعارضة المنافقة والشكلية، لئلا تظهر المعارضة الحقيقية على الساحة، والتي لن تشاركها السلطة، لا القاعة ولا حتى الحوار، لأن مطالبها ليست السلطة أو جزء منها بل تغيير النظام، وبالطرق السلمية رغم شموليتها ودكتاتوريتها.
أما مع المعارضة الانتهازية والمحتضرة الموجودة في الأستانة، فالسلطة ليس فقط لن تتنازل بل ستفرض شروطها، وستحصل منها على الملفات الضرورية، لتقدمها للمحافل الدولية من أجل الحصول على الشرعية، ولهذا فهي وروسيا لم يقضوا على البقية الباقية منهم، مثلما تحتفظ تركيا بالسياسية في جغرافيتها، رغم التعتيم الإعلامي على معظم رموزها، وعلى الذين كانوا قبل سنة ينتقلون من مركز إعلامي إلى أخر، ولولا هذه الغاية لما تنازلت السلطة بالجلوس معهم، ومن المستبعد أن يكون هناك حوار جدي مع زوال الضغوط الداخلية والدولية، ووفد المعارضة الموجود لم يعد له أي اعتبار، ولا قيمة سياسية أو عسكرية، وبالتالي لن تكون هناك أية اتفاقيات، بل هذا المؤتمر كغيره ليس أكثر من تمرير للوقت إلى أن تحين مرحلة بدء المحادثات بين روسيا وأمريكا.
أما البدائل المصنوعة لهذه المعارضة كالمسمى بالجيش الحر وغيرها، ليست سوى آنية، ستنتهي بأسرع من سابقاتها، ولن تكون مؤهلة لتمثل سوريا، لكونها تجميع تركي قطري بامتياز، ومن فلول المنظمات التكفيرية السابقة، لذا يجب أن يعود ممثلي الشعوب السورية الحقيقيين إلى الساحة ومن ضمنهم الكورد كثاني قومية، لإعطاء الشرعية الحقة لمثل هذه المؤتمرات الدولية بخصوص سوريا، ولا يستبعد حينها أن تفرض القوى الكبرى المعنية بالأمر عليهم حلولا، ومنها أن سوريا على الأغلب ستكون تحت إشراف القوى الكبرى، وفي خدمتهم القوى المحلية، كالكورد والقوى السنية تحت مسميات مختلفة، ولربما الدرزية والعلوية رغم أن الأخيرة ستحاول بكل جهودها الاحتفاظ بالسلطة المركزية أو المسمى بالشرعية في العاصمة، واحتمالية أن ترسخ القوى الإقليمية كتركيا وإيران وجودها عن طريق البعض من القوى السورية المذكورة، أو بشكل مباشر، أي عمليا أن سوريا تتجه إلى الحلول الفيدرالية أو المشابهة لها، دون أن تسمى بمسمياتها، وهذا ما سيتم الحديث عنه في مؤتمر أستانة التاسع، تحت صيغة مناطق خفض التصعيد، ومنها الموجودة تحت الاحتلال التركي، وفي الجنوب الشرقي تحت سيطرة الأمريكيين. إلى جانب قضية المساعدات الإنسانية وعمليات توزيعها، علما أن الأخيرة لم تعد لها إشكاليات، بعض تصفية المعارضة المسلحة من المناطق المحتاجة إلى المساعدات، ونحن هنا لا نتحدث عن أن كل سوريا الأن في أشد الحاجة إلى كل أشكال الإعانات، ولو بقيت ذرة من الإنسانية في ضمير المجتمعين في أستانة لما احتاجوا إلى مثل هذا المؤتمر لإيصال المساعدات إلى الناس.
تدرك أمريكا وروسيا المعنيتين بالقضية السورية، والتي لهما وحدهما القدرة على وضع الحل، أن سلطة بشار الأسد كما المعارضتين، العسكرية والسياسية، غارقة في الإجرام، ولن يكونا يوما مقبولين من المجتمع السوري، وخدمات الأولى لروسيا في شرعنة وجودها، لن تشفع لها بما أجرمت بحق الشعوب السورية، ومن المحتمل أن تكون نهاياتها بموافقة روسية، رغم ما ستقدمه إيران من المساعدات لإنقاذها، فهي والمعارضة كانوا على الساحة كطرفين متناغمين في تبادل الخدمات، مثلما يفعلان الأن ضمن قاعات مؤتمر أستانة، وكما كانوا في عمليات تدمير سوريا وقتل الشعب، بعكس القوى الكوردية السياسية والعسكرية التي حاربت الإرهاب بكل الأساليب إلى جانب التحالف الدولي، ومنها من وقفت في وجه سلطة بشار الأسد والمعارضة العنصرية -التكفيرية بقدر ما تمكنت.
في الواقع مهما كانت التهم الموجهة إلى أمريكا وروسيا صحيحة فالمعارضة بشقيها وسلطة بشار الأسد، المتحاورين في مؤتمر أستانة الجاري، يتحملون المثقال الأكبر من الذنوب، والأسباب عديدة ومتنوعة، وأهمها تسخير طاقات السوريين لتمرير أجندات القوى الإقليمية المترصدة بسوريا، وقد تمكنا من ترسيخ أقدام إيران وتركيا بعدما دمرا القوة السورية الديمغرافية والاقتصادية، والأغرب في المعادلة أن هاتين الدولتين وبكل وقاحة يعرضان ذاتهما على المنصات الدولية العالمية، كما يدعيان الأن في مؤتمر أستانة التاسع وفي سابقاتها، كقوتي رحمة وخلاص للشعوب السورية، وانهما حاربا المنظمات الإرهابية كداعش والنصرة وغيرهما، علما أن معظم المنظمات العالمية لحقوق الإنسان وغيرها تعلم وبوثائق ذات مصداقية أنهما عراب هاتين المنظمتين في سوريا والعراق.
لا شك تقييم المعارضة بشكل عام أو قياداتها البارزة على الإعلام أو المختفية وراء الستارة مثل رموز السلطة تعتبر هدرا لوقت القراء، ولربما تقليل من مدارك المجتمع السوري، فهم مجرمو حرب بامتياز مهما فعلوا، ولا قوة تستطيع أن تبرئهم، والشواهد من الكثرة بحيث لم يعد الناس يلتفتون إليها، مع ذلك من الأهمية التعرض لبعض الأساليب الخبيثة التي مرقوا عن طريقها مصالحهم الذاتية كمرتزقة وانتهازيين منافقين، أو مصالح القوى التي صنعتهم وحافظت على وجودهم، والمؤدية إلى توسيع حلقات التدمير في سوريا.
1- غضت المعارضة الإسلامية العروبية الطرف عن الاتفاقيات السرية بين تركيا وإيران حول القضية الكوردية، كما غلبت العنصرية القومية العروبية على الحيز الوطني السوري الجامع بينهم وبين الشعب الكوردي.
2- ما فعلته المعارضة، وعلى رأسها النصرة والمتحولة فيما بعد إلى هيئة تحرير الشام، وجيش الإسلام والفيالق التي سخرتها السلطات الإقليمية المذهبية، من الانقسامات العرقية والطائفية في المجتمع السوري خلال سنوات وجودها، تفوق ما فعلته سلطتي البعث والأسد على مدى العقود المديدة من دكتاتوريتها، وعلى أثرها تنفس بشار الأسد الصعداء، لأنها كانت إحدى أقذر الأوراق المستخدمة في المحافل الدولية لإبراز القبائح الجارية في سوريا بيد المعارضة الإرهابية.
3- تغاضت المعارضة عن الاتفاقيات السرية بين سلطتي الأسد والقوى المحيطة بسوريا إلا ما ندر، ومنها إسرائيل، ومن ضمنها معاهدات عدم الاعتداء، والجارية حتى الأن لولا التحريضات الإيرانية، ولقد كانت من السذاجة، أو لربما الرهبة المترسخة من خلال ثقافة السلطة ذاتها، المحافظة على العزلة بين سوريا والدولة المجاورة، فلو كانت تملك جرأة المحاولة على فتح الأبواب الدبلوماسية مع إسرائيل، لربما غيرت مسيرة المعارضة ولأنقذتها من السقوط في مستنقع الإرهاب والتكفيريين، وبالتالي لتغيرت قدر سوريا، ولتمكنت:
أولا، من إضعاف السلطة بعزلها من أحد القوى الإقليمية المساندة لها.
وثانيا، كانت ستخلق بعدا ديمقراطيا للمعارضة وبالتالي كان سيستمر دعم الدول الكبرى لهم وللشعب السوري.
لكنها وبالعكس حرضت على الصراع معها في الوقت الذي لم تكن لا سوريا بكليتها ولا المعارضة بفصائلها على سوية فرقة عسكرية إسرائيلية، ونحن هنا لا نتحدث عن مراحل التطور الصناعي والتكنلوجي والحيز الديمقراطي الذي بلغته هذه الدولة المجاورة، ليس فقط مقارنة بسوريا بل وبالعالم، وهذا ما انتبهت إليه البعض من دول الخليج الراعية للمعارضة، وعرابها، فبعضهم قالوا أن إسرائيل هي أرض اليهود التاريخي، التصريح الذي كان بإمكان المعارضة العمل عليه لفتح أبواب ثورة في العلاقات الدبلوماسية في المنطقة، وتحجيم دور السلطة وإيران، وبها كانوا سيخدمون القضية الفلسطينية بمنطق، ويقدمون خدمة للمجتمع السوري بإنقاذه من شرور الشعارات المنافقة كالمقاومة والصمود والتصدي المفروضة عليه منذ عقود.
هذه وغيرها من الأساليب الفاشلة والشاذة التي تبنتها قادة المعارضة التكفيرية، لمنهاجيتها الدينية، الخارجة من سجون سلطة بشار الأسد، وبأمر رئاسي بعد الثورة السلمية بشهور، ومعهم البعثيين العروبيين المفروزين، أدت إلى الكارثة السورية، وأوصلت بشعوبها إلى مراقبة المسرحيات التراجيدية كمؤتمرات أستانة وليمثلهم فيها جواكر تركية قطرية الصنع، أو أدوات السلطة.
فمؤتمر الأستانة، ليس سوى تجديد للنفاق الدولي، أحضرت فيها أخر المنافقين والانتهازيين من المعارضة لتعطي الشرعية لسلطة بشار الأسد المجرم، وإلا فإنها ستطرد من إستانبول أو تعتم عليها وتقطع رواتبها.
ويبقى السؤال المؤلم: هل المشاركة في السلطة الدكتاتورية، والتي أصبحت محور جل حوارات المعارضة وفي جميع المؤتمرات، تستحق كل هذا الدمار الملحق بسوريا؟
وهل المعارضة الحقيقية كانت ستعطي كل هذه المبررات لبشار الأسد بتدمير سوريا، وهل كانت ستقبل بهذا الذل؟
المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له علاقة بوجهة نظر الموقع
التعليقات مغلقة.