المجلس الوطني الكوردي في سوريا

خالد أبراهيم : بعد منتصف الليل …

111

بعد مُنتَصفِ الليل
اذهب وقف أمام بحيرة وغني لوحدكَ وبيديكَ كوبًا من القهوة وأجمع بقايا ضحكة ممزوجة بالقهر والألم
بعد منتصف الليل
ابحث عن مقبرة وقف ببابها للحظات، لا تخف ، لا ترتعش ، فالأموات أصدق ما تبقى في هذا الزمن الأرعن
ياااااااه في قميصي الأبيض تجتمع المجازر وقوافل من الأعين المفقوءة هي الأزرار
بعد منتصف الليل
إن كُنتَ تريد أن تعلم ما معنى السعادة، اخلع ثيابك وأبقَ عارياً مثل ساق الشجر أفتح فخذيكَ للهواء والرياح وسموم الأعاصير والأمطار، أبقَ مفتوحَ العينين كامل فصول السنة، لا تنم أبداً.
بعد منتصف الليل
تذكر أنك كنتَ هنا ذات يوم ومعكَ أطفالٌ وحبيبة تذكر أنكَ كنتَ مُراقب ومٌكبلَ اليدين والشفتين وكأنك في وسط قصيدةً مشلولة الأحرف، كأنكَ سجينُ حرب وعلى أبواب حكم مشنقة
بعد منتصف الليل
حاول أن تتسلل عبر ثقب نافذتكَ الوحيدة إلى منزل عشيقتكَ في الطرف الآخر من هذا الشارع المكتظ بالإسنان الصدئة ، لا تخف ، وتجرأ يوماً وأمشي عارياً أمام الناس
بعد منتصف الليل
قف ببابها خلسةً واقرأ أسمها على يافطةً بيضاء واهرب بين الأشجار وخلف المدن
خلف الموت والخوف
خلف سكة القطار الذي يمر من أمام نافذتها
انظر إلى مرأةِ غرفة نومها ومد يديكَ نحو وجهك الملطخ على بلور من الجليد واقتل نفسكَ بصمتٍ وكأنك لم تكن
بعد منتصف الليل
حافظ على كبريائك و حاول أن تَدُقَ أسفينٍ من الفولاذ بمؤخرة هذا الزمن واجعله يتوقف أمام مقبرة ، حاول ، وأحصل على شرف حَلِ هذا اللغز الرابض بقنديل الله، ابتعد عن مخلفات الحروب وسكاكين اللصوص، واصنع من نفسكَ كتاباً مفتوحاً في ساحات المُدن ، وأياك أن تمشِ على أسوار تِلكَ المُدن، احذر النساء وأنتَ عاري
بعد منتصف الليل
لطخ نفسكَ بأجمل اللحظات وسافر بعيداً وعانق المستحيل وأصرخ بملء حنجرتكَ المغطسة بالغبار وأسمنت الحنين، أبقَ عارياً ثلاث فصول ، تحمل نظرات الطيور ودغدغات النمل والجراد، تمسك بتلكَ الجذور وعانق السماء وعاود النظر إلى الله ثم
قُل أنا:
العاشق السيء الحظ
أنا الذي تكرهني الحياة وطوابير المشاة العالقين أمام فرنٍ يسمى الجحيم
أنا الذي تهرب من أمامي الفراشات وتذبل من عيناه الزهور
أنا أبن الخابور والفرات ودجلة
أبن عفرين وكوباني والمصلوب في ساحاتِ دمشق
بعد منتصف الليل
هل ينام العُراة يا بُني؟
هل تريد أن تعلم ما هي السعادة؟
هل تُريد أن تكون سعيداً؟
بعد منتصف الليل
اخلع ثيابك وابقَ عارياً تحت المطر وادعو الريح بلطم وجهكَ المنفوخ حزناً
وابحث عن بكائي بين خيوط الظلام هناك عند تلك البحيرة وتحت تلك الشجرة حيث تجد حرفين لعاشقين في زمن الحرب
قف برهة ودعني أجمعُ أجزائي المبتورة، تعال ننهض من تحت هذه التلال
ألم تسمع صوتي ليلة البارحة، ناديتكَ وأنا أقضم حزناً يغطي أديم جسدكَ الطويل أيها القهر
ليلة البارحة عَبرتُ من فوقَ حزنكَ دون أن ألتفت لطعنة الخنجر وصرخت بأعلى صوتي
أحبكِ يا أخر قطعة تنبض في هذا الجسد

خالد أبراهيم : شاعر وكاتب 

التعليقات مغلقة.