التاريخ الإنساني مليء بالمجازر التي ارتكبت من قبل الدول ضد شعوبها أو ضد شعوب أخرى أدت إلى إبادتها بجميع ملامحها الإنسانية، ومن شدة هول المأساة والدمار اللذين خلفتهما تلك المجازر ارتفعت أصوات على مستوى دولي لتصنيفها ضمن جرائم دولية معاقب عليها وذلك للتخفيف من تلك الجرائم التي دمرت حتى القيم الإنسانية وذاقت مرارتها الأجيال المتعاقبة، ولما له تأثير على الأمن والسلم الدوليين التي أكدت عليها الأمم المتحدة ضمن أهدافها وفي ميثاقها. ومن بين تلك الجرائم الدولية:
جريمة الإبادة الجماعية…
أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في اجتماعها المنعقد بباريس في 9 كانون الأول 1948م اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية.
وهي تعريفاً: كل عمل يرمي إلى إفناء شامل أو جزئي لإحدى المجموعات القومية أو الدينية، والإبادة هي كل فعل يهدف من ورائه الجاني إلى القضاء على جماعة بشرية أو دينية أو عرقية قضاءً كلياً أو جزئياً بشكل مباشر أو غير مباشر أو بالتحريض على قتل أعضاء الجماعة المشار إليها في المادة الثالثة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص: ” لكل فرد الحق في الحياة والحرية و السلامة الشخصية ” . وحسب نص الفقرة الثانية من المادة الثانية من الاتفاقية الدولية يعتبر الجرم إبادة جماعية ضد أي مجموعة إذا كانت قد اتخذت إحدى الأفعال التالية :
1ــ الإبادة الجسدية بهدف افناء مجموعة بشرية.
2ــ إلحاق أضرار جسدية ونفسية بالغة بأعضاء هذه الجماعة.
3ــ فرض ظروف على الجماعة تؤدي إلى منع الولادة والتكاثر ضمن الجماعة.
4ــ نقل أطفال جماعة بشرية لجماعة أخرى قسراً .
ظهور مصطلح الإبادة الجماعية ” genocide ” رسمياً لأول مرة كان في التوصية رقم 96/1 الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 11/12/1946م حيث أدانت الجمعية العامة هذه الجريمة بعد أن وصفتها بأنها من جرائم القانون الدولي وبأنها محل إدانة العالم المتمدن.
مصطلح الإبادة الجماعية مشتق من الكلمة اللاتينية Genus ومعناها الجماعة ومن كلمة Cedere ومعناه: يقتل، ومصطلح الإبادة الجماعية يشير إلى تدمير أمة أو جماعة عرقية ولا يعني بالضرورة التدمير الفوري لهذه الأمة أو الأثنية بل يعني في الغالب وجود خطة منظمة للقيام بأفعال مختلفة تهدف إلى القضاء على الأسس والركائز الحيوية التي تقوم عليها حياة الجماعة القومية والإثنية وتؤدي في النهاية إلى تدمير الجماعة ذاتها، فالغرض من هذه الخطة هو إقصاء أو إفناء المؤسسات والبنى السياسية والاجتماعية للجماعة وكذلك الأمر بالنسبة للغتها وديانتها وثقافتها ووجودها الاقتصادي كما تهدف الخطة أيضاً إلى الاعتداء على السلامة البدنية والشخصية للأفراد المنتمين للجماعة محل الإبادة.
فالإبادة الجماعية ترتكب ضد الجماعة القومية أو الاثنية بصفتها كائناً مستقلاً له ذاتية خاصة به.
أركان جريمة الإبادة الجماعية:
1ــ الجماعات المشمولة بجريمة الإبادة الجماعية.
2ــ صور السلوك الجرمي المكون للركن المادي للجريمة.
3ــ طبيعة القصد الجنائي الواجب توافره لقيام الجريمة.
أولاً: الجماعات المشمولة بجريمة الإبادة الجماعية:
إن السلوك الجرمي في جريمة الإبادة الجماعية يتسم بصفة تمييزية لجهة محل الجريمة فالهوية القومية أو العرقية أو الدينية للضحية تمثل ركناً أساسياً من أركان جريمة الإبادة الجماعية ففي التوصية رقم 96/1 الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 11/12/1946م .
أعلنت الجمعية العامة أن الإبادة الجماعية تمثل إنكاراً لحق الجماعات الإنسانية في العيش والوجود شأنها شأن القتل العمد الذي يتضمن إنكاراً لحق الكائن الإنساني في الحياة . فعضوية الفرد الموجه ضده الفعل الجرمي لها أهمية كبيرة جداً في تحديد الضحايا المباشرين لمرتكب جريمة الإبادة الجماعية وهي أهم بكثير من الضحية نفسه.
ثانياً : الركن المادي لجريمة الإبادة الجماعية:
يتمثل الركن المادي لجريمة الإبادة الجماعية في إتيان أحد الأفعال المكونة للسلوك أو أكثر وهذه الأفعال محددة على سبيل الحصر في تعريف جريمة الإبادة الجماعية في الصكوك الدولية المختلفة المتعلقة بهذه الجريمة ولا يشترط لقيام هذه الجريمة أن يؤدي الفعل المرتكب إلى التدمير الكلي أو الجزئي للجماعة فعلاً فيكفي أن تتوافر النية الجرمية عند مرتكب الفعل للحصول على هذه النتيجة ومن السمات المميزة للسلوك الجرمي في جريمة الإبادة الجماعية اتساع نطاقه والانتشار الواسع للانتهاكات المترتبة على إتيانه.
أهم صور السلوك الجرمي المكون للركن المادي للجريمة:
1ــ الإبادة الجماعية بالقتل أي أن الفعل في هذه الجريمة يجب أن يكون مقصوداً ومقترناً بقصد الإبادة للجماعة.
2ــ الإبادة بالحاق أذى بدني أو عقلي جسيم: أي الأذى الذي يسبب أضراراً جسيمة بالصحة أو بأعضاء الأنسان الداخلية أو الخارجية أو الحواس وتشمل أيضاً التعذيب والمعاملة الغير إنسانية، أما الاغتصاب والعنف الجنسي يعد من أسوء الأفعال الجرمية المسببة لأذى جسيم بدني ومعنوي في آن معاً ويشكل سلوكاً جرمياً في جريمة الإبادة الجماعية عندما تتوافر شروط وظروف معينة وذلك عندما ترتكب بقصد التدمير الكلي أو الجزئي للجماعة التي ينتمي إليها ضحايا الاغتصاب أو العنف الجنسي.
3ــ الإبادة الجماعية بفرض أحوال معيشة يقصد بها التسبب عمداً في تدمير الجماعة مادياً: ومن أمثلتها الإبعاد المنظم للأشخاص المنتمين للجماعة عن مساكنهم ومواطنهم وحرمانهم من المعونات والخدمات الطبية لمدة طويلة.
4ــ الإبادة الجماعية بفرض تدابير تستهدف منع الإنجاب داخل الجماعة.
5ــ الإبادة الجماعية بنقل الأطفال عنوة إلى جماعة أخرى.
ثالثاً: الركن المعنوي للجريمة:
يتمثل الركن المعنوي في جريمة الإبادة الجماعية باتجاه إرادة الفاعل لارتكاب أحد الأفعال المكونة للسلوك الجرمي في الجريمة مع علمه بأن هذا الفعل محظور ومعاقب عليه وذلك بغية تدمير جماعة قومية أو اثنية أوعرقية أو دينية تدميراً كلياً أوجزئياً فلا يكتفي في جريمة الإبادة الجماعية بالقصد العام بل لا بد من قصد خاص يتمثل في نية الإبادة أو في نية التدمير الكلي أو الجزئي للجماعة.
أما بالنسبة للشعب الكردي:
فقد كان أكثر شعوب العالم تعرضاً للظلم والاستبداد على أيدي الأنظمة الدكتاتورية في الأجزاء الأربعة لكردستان، تلك الأنظمة التي سلبت منه حريته وجردته من حقوقه الطبيعية بالرغم من دساتير تلك الدول التي تؤكد على حقوق الإنسان وحرياته، والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان وتوقيعها عليه، إلا أن العقل الفاشي، والسياسة الشوفينية تعدت كل الخطوط الحمراء إلى مرحلة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. فأزالت قرى بسكانها، غيرت ديمغرافية أجزاء واسعة من كردستان، هجرت قسراً أبناءها وأجبرتهم على تغيير قوميتهم، حاولت جاهداً طمس معالم الثقافة الكردية وغيرها الكثير من الأعمال اللاإنسانية بحق الكرد.
وقد توجت تلك السياسات الشوفينية بالإبادة الجماعية في حلبجة وبارزان وحملات الأنفال وما المقابر الجماعية إلا دليل على الظلم الذي لحق بالشعب الكردي، وما حصل في شنكال وكوباني ويحصل الآن في عفرين إلا استمرار لتلك السياسات الشوفينية السابقة وإن اختلفت أدواتها.
الأنفال:
إحدى عمليات الإبادة الجماعية التي قام بها النظام العراقي السابق عام 1988م ضد الشعب الكردي في إقليم كردستان حيث قامت الحكومة العراقية بتدمير ما يقارب 2000 قرية وقتل الألاف من المواطنين الأبرياء وإجبار قرابة نصف مليون مواطن كردي على الإقامة في قرى أقامتها الحكومة العراقية آنذاك كي يسهل السيطرة عليهم، وجرى إلقاء القبض على أكثر من 82000 مواطن كردي جرى تصفيتهم ودفنهم في قبور جماعية في مناطق نائية من العراق.
وتكونت مراحل حملات الأنفال من:
– الأنفال الأولى: منطقة السليمانية، محاصرة منطقة (سركه لو) في 23 شباط لغاية 19 آذار/1988.
– الأنفال الثانية: منطقة قرداغ، بازيان ودربنديخان في 22 أذار لغاية 1 نيسان.
– الأنفال الثالثة: منطقة كرميان، كلار، باونور، كفري، دووز، سنكاو، قادر كرم، في 20 نيسان من نفس العام.
– الأنفال الرابعة: في حدود سهل (زيي بجوك) أي بمعنى منطقة كويه وطق طق وآغجلر وناوشوان، في 3 أيار الى 8 أيار .
– الأنفال الخامسة والسادسة والسابعة: محيط شقلاوة وراوندز في 15 أيار ولغاية 26 آب.
– الأنفال الثامنة: المرحلة الأخيرة، منطقة بادينان، آميدي، آكري، زاخو، شيخان، دهوك، في 25 آب ولغاية 6 ايلول من نفس العام.
وحسب تقرير المنظمات الدولية لمراقبة حقوق الانسان تمت الإشارة الى أن الأنفال
ووفق المقاييس الدولية تدخل في اطار جريمة الابادة الجماعية، وتم تحرك ملف الأنفال في المحكمة الجنائية العراقية العليا، وفي يوم 21/8/2006 القيت أول مرافعة عن الأنفال في بغداد، وقد اصدرت المحكمة قراراها الحاسم حول ملف الأنفال، وتم وفقاً لذلك تعريف جرائم الأنفال بجرائم الإبادة الجماعية (الجينوسايد).
استناداً إلى أركان جريمة الإبادة الجماعية في القانون الدولي فإن عمليات الأنفال هي جريمة الإبادة الجماعية.
حيث أقر البرلمان السويدي في “5” كانون الأول عام 2012م بأن هذه العمليات جريمة إبادة جماعية بحق الشعب الكردي في العراق .
حلبجة: ” مدينة الشهادة و الشهداء “:
تعرضت للإبادة الجماعية على أيدي النظام الفاشي في بغداد، فالمجازر التي ارتكبها النظام تجاوزت حدود الخيال الإنساني وتصوراته، مدينة بأكملها تحولت إلى رماد نتيجة قصفها بالسلاح الكيماوي في 16ـــ17 مارس 1988م قتل من السكان فوراً 3200ــــ5000 و أصيب منهم 7000ـــ10000 وفي السنة التالية مات الآلاف من سكان حلبجة نتيجة المضاعفات الصحية والأمراض والعيوب الخلقية.
كل معاني المأساة تجلت في صورة الشهيد عمر خاور وهو يحمي طفله واقعاً على الأرض أمام عتبة داره ليصبح رمزاً لكارثة حلبحة.
بالرغم من أن العراق قد انضمت إلى الاتفاقية عام 1959م إلا إن النظام الفاشي البعثي لم يلتزم بالاتفاقية الدولية ومارس إبادة جماعية ضد الكرد في حلبجة، ففي 23 ديسمبر 2005م حكمت المحكمة الهولندية أن صدام ارتكب جريمة الإبادة الجماعية ضد الشعب الكردي في حلبجة، وكانت هذه المرة الأولى التي تصف فيها محكمة هجوم حلبجة كفعل من أفعال الإبادة الجماعية، كما اتهمت المحكمة العراقية الخاصة صدام حسين وعلى الكيماوي بجرائم ضد الإنسانية بالأحداث التي وقعت في حلبجة.
وبالتالي فما تعرض له الشعب الكردي في حلبجة كان بقصد الإبادة والتدمير وهو يتفق مع وصف الإبادة الجماعية في القانون الدولي بكل المعايير.
شنكال:
شنكال المدينة الجميلة بطبيعتها وأصالتها الكردية، الطاهرة برسائل الحب والحكمة، وترانيم نيسان للسلام، المدينة الآمنة في أحضان جبال شنكال، حافظت على هويتها، وفلكلورها وطقوس معتقداتها، بالرغم من تلك حملات المحو والإبادة والتعريب والفرمانات التتريكية.
تعرضت شنكال مرات عديدة لجرائم الإبادة الجماعية عبر التاريخ، وكان آخرها على يد تنظيم “داعش” في 3 آب 2014، والتي كانت ضحيتها الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ.
حيث ارتكبت مجازر بحق الكرد الإيزيديين في شنكال على غرار عمليات الأنفال السيئة الصيت، من قبل التنظيم الإرهابي الذي قتل الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ، قطع الرؤوس في الشوارع والطرقات، أعدم الأبرياء، دمر وفجر المباني والمزارات الدينية، مارس القتل بأبشع صوره مشوها بذلك عمق الرسالة الإسلامية التي نادوا بها. كل ذلك دفع بأبناء المنطقة لترك بيوتهم باتجاه جبال شنكال الوعرة خوفاً من الإبادة الجماعية التي بدأ الإرهابيون بممارستها ضد الكرد في شنكال، فعانى الآلاف منهم في جبال شنكال المحاصرة ظروف معيشية صعبة جداً ينتظرون الموت البطيء، لتحضن الجبال من جديد أجساد أبنائها الأبرياء، ناهيك عن حالات الأسر والمعاملة القاسية وبيع الفتيات والنسوة الإيزيديات في أسواق النخاسة في الموصل والرقة.
أتبع داعش كل الوسائل الإرهابية للقضاء على الكرد الإيزيديين من خلال القتل والذبح الوحشي أمام عائلاتهم، والاستعباد والتعذيب والمعاملة المهينة واللاأخلاقية، عمد إلى الترحيل القسري للإيزيديبن والذي تسبب بأضرار نفسية وبدنية ومعيشية مميتة، وإجبار البالغين منهم على تغيير دينهم ومعتقداتهم، والفصل ما بين النساء والرجال، وإبعاد الأطفال عن عائلاتهم ووضعهم مع مسلحي داعش وفي أحضان الحياة الإرهابية وبالتالي فصلهم عن عالمهم الطفولي .
هذه الجرائم البشعة ضد الكرد الإيزيديين كانت وفق خطة مبرمجة القصد منها إبادة شعب بدينه وقوميته. فلا تزال الفتيات الإيزيديات في براثن إرهاب داعش، تغتصب وتهان وتباع في الأسواق كالعبيد، القتل على الهوية والمعتقد الديني كان السلاح المتبع في شنكال، والسياسة الإبادية التي انتهجتها أصحاب الرايات السود ضد شعب آمن في شنكال انتهكت كل القيم الإنسانية، أما الأطفال فكان نصيبهم القسم الأكثر قساوة من جرائمهم المنافية لكل الأعراف والمواثيق الدولية، حيث تمت عسكرة الأطفال الايزيديين الأسرى لديهم وتجنيدهم في تنظيمهم لإستخدامهم في عمليات انتخارية بعد دعشنة عقولهم وأفئدتهم . وبالتالي تنطبق على كل هذه الجرائم أركان الإبادة الجماعية وفق القانون الدولي.
إن الإبادة الجماعية حدثت في شنكال وما زالت مستمرة، لقد عرّضت داعش كل امرأة وطفل ورجل إيزيديين من الذين اختطفتهم إلى أبشع الانتهاكات وصلت الى مستوى الإبادة الجماعية .
كوباني:
تلك المدينة الكردية الجميلة بجمال طبيعتها والصامدة بصمود شعبها تتعرض لاعتداءات وحشية من قبل داعش الذي قصف المدينة بالمدفعية والدبابات واستخدم الأسلحة المحرمة دولياً ضد المدنيين العزل بغية تفريغها من سكانها مسيطرة بذلك على أغلب قرى كوباني لترتكب فيها جرائم لاإنسانية من قتل وإعدامات عشوائية وقطع للرؤوس وتمثيل بالجثث وخطف النساء والأطفال ونهب الممتلكات وتدميرها،ما اضطر أهالي كوباني لترك مساكنهم وقراهم، فنزح حوالي 90% منهم إلى مناطق أخرى والعيش في ظروف معيشية قاسية جداً وذلك لحماية أنفسهم من التعرض لإبادة جماعية كتلك المرتكبة في شنكال من قبل التنظيم الإرهابي ذاته الذي يحاول القضاء على طموحات الشعب الكردي في الحرية والديمقراطية بجرائم تصنف ضمن جريمة الإبادة الجماعية .
فكانت ليلة الغدر في كوباني بتاريخ 2015/6/25 بكل تفاصيلها الإجرامية التي نسجتها خيوط الإرهاب هي جريمة الإبادة الجماعية للشعب الكردي، حيث تم ذبح وقتل أكثر من 500 مدني بين الساعة الثالثة صباحاً وحتى الثامنة، وفق مخطط إرهابي كبير شارك فيه ما لا يقل عن 100 مسلح إرهابي من «داعش» مستهدفاً المدنيين الكرد، ليكون معظم الضحايا من الأطفال والنساء والشيوخ وبشكل منافي لكل القيم والأعراف الإنسانية، مجازر لا مثيل لها في تاريخ البشرية ارتكبت ضد المدنيين الكرد في كوباني بصفتهم القومية، مع اتساع رقعة القرى والبلدات التي شهدت تلك المجازر، حيث لم يخل شارع أو قرية أو حي من تلك الجرائم، مع ارتفاع عدد ضحايا المدنيين، عائلات بأكملها ذبحت في بيوتها، تناثرت الأشلاء والجثث على الطرقات، استخدم داعش أبشع أساليب العنف والاجرام في كوباني، من عمليات الذبح والقتل والتمثيل بالجثث والإعدامات الميدانية والعمليات الانتحارية، كل ذلك وفق خطط مبرمجة ومعدة مسبقا مع الإصرار في تنفيذها ضد جماعة بصفتها القومية ليجعلها تندرج ضمن تصنيف جريمة الإبادة الجماعية بكل معاييرها .
عفرين ” جياي كورمنج “:
مدينة الشموخ، عروس كردستان الجميلة، شامخة بجبالها وزيتونها ونضال أهلها،طبعت جغرافيتها بطابع من شموخها الأزلي، عقود الاستبداد لم تنل من هويتها القومية، حافظت على كبرياء حضارتها وأصالة فلكلورها من تلوث الاستبداد ومؤامرات العقول البعثية الشوفينية.
عفرين الآن تئن تحت الاحتلال التركي الذي لم يتوانَ في جعل حياة الأبرباء قرابين سياساته الطورانية وتوسعاته مصدرا فشله السياسي ومشاكله الى المناطق الكردية، احتلال تركيا لعفرين لم يكن وليد المصادفة، بدأت بشكلها الممنهج وبمشروعها العدواني من قطع أشجار الزيتون وبناء الجدار التركي الإسمنتي الى حشد قواتها العسكرية وتهديدها بين الحين والآخر باجتياح عسكري كلما أرادت بذلك أن تحقق مآربها.
وفي السبت 20-1-2018 أعلن الرئيس التركي بدء الأعمال العسكرية ضد مدينة عفرين باستخدام كافة صنوف الأسلحة بما فيها الطائرات المقاتلة، والتي بدأت بقصف طيراني وحشي هدمت البيوت وقتلت المدنيين فتبعثرت الأشلاء في كل بلدة وقرية في عفرين، مما اضطر أهالي عفرين إلى ترك قراهم وبيوتهم والنزوح إلى أماكن أخرى خوفا من تعرضهم لإبادة جماعية كتلك التي حصلت في كوباني، فاتخذوا من الجبال ملجأ لهم، افترشوا العراء وعانوا ظروفا معيشية صعبة جداً كانت السبب في موت الكثير من الأطفال والشيوخ.
وفي 24 من شهر آذار/مارس، أعلن الجيش التركي احتلاله لمدينة عفرين الكُـردستانية بعد عمليات عسكرية شملت استخدام كافة صنوف الأسلحة وبمشاركة فصائل مسلحة تابعة للجيش الحر وبمباركة الائتلاف السوري المعارض.
بعد الاحتلال التركي لعفرين الكردية بدأت عمليات الإجرام من قبل القوات التركية وفصائل الائتلاف من النهب والسلب واللصوصية للمحلات التجارية والمؤسسات والمنازل، وسرقة الآلات الزراعية والسيارات وكل ممتلكات الأهالي، وقتل وتعذيب وتشريد المدنيين.
بعد احتلال عفرين ارتكبت فيه جرائم لاإنسانية وانتهاكات صارخة للقوانين والأعراف الدولية من قبل الجيش التركي والفصائل المسلحة التابعة لما يسمى بالجيش الحر استهدفت أغلبها الوجود التاريخي والقومي للشعب الكردي في عفرين وهويته وثقافته ورموزه المقدسة وفق منهج وخطط معدة مسبقا منها:
عشرات المجازر ارتكبتها طيران العدوان التركي من خلال الغارات الجوية التركية والقصف المدفعي والتي استهدفت المدنيين راح ضحيتها المئات من القتلى والجرحى، وما رافق ذلك من تدمير للبنى التحتية والمرافق العامة، وتهجير وتشريد الأهالي. إلحاق تدمير واسع النطاق بالمواقع الأثرية وأماكن العبادة من معابد وجوامع وكنائس.
استهداف المواقع الأثرية في عفرين انتهاك لاتفاقية جنيف الدولية الرابعة لعام 1949 التي تدعو الى حماية المواقع والأوابد الأثرية ” تدمير معبد عين دارا الأثري ” و ” قصف جامع صلاح الدين في جنديرس ” .
تدمير المراكز التعليمية والمستشفيات، ورفع العلم التركي وصورة الرئيس التركي على المدارس في عفرين محاولات ممنهجة لتتريك التعليم في عفرين.
إهانة الرموز الكردية المقدسة من قبل الفصائل المسلحة التابعة للائتلاف فعل جرمي نابع من تراكمات الاستبداد والكراهية المتجذرة في عقولهم البعثية الشوفينية ضد القومية الكردية. ” تحطيم تمثال كاوا الحداد وحرق العلم الكردستاني “.
منع الجيش التركي والفصائل المسلحة التابعة بما يسمى بالحيش الحر، نازحي مدينة عفرين من العودة إلى قراهم وبيوتهم، مع استمرار عمليات التوطين لمهجري الغوطة الشرقية ومدن سورية أخرى في عفرين وفق خطط معدة مسبقا عبر عنها الرئيس التركي صراحة، وذلك من أجل التغيير الديمغرافي في عفرين، حيث بدأت بالتطبيق الفعلي من خلال توطين عائلات الفصائل المسلحة للجبيش الحر، ومنع عودة النازحين من أهالي عفرين بالقوة وقتل واعتقال كل من يطالب ببيته وممتلكاته .
” تم توطين 60 عائلة عربية في راجو بمنازل الكُـرد النازحين إلى مناطق أخرى، كما تم توطين 45 عائلة عربية غالبيتها من أهالي مدينة حمص السورية، في ناحية شرا التابعة لعفرين”
منعت فصائل المعارضة السورية نازحي مدينة عفرين مــن العودة إلى المدينة وريفها في حاجز كيمار بقوة السلاح، وإرغامهم على العودة إلى منطقتي نبل والزهراء الواقعة تحت سيطرة النظام السوري .
تعذيب المواطن فرج الدين محمد عثمان من أهالي ناحية جنديرس، لمطالبته بإعادة ممتلكاته المسروقة، وخروج المسلحين من منزله” .
حملة اعتقالات لأهالي عفرين وتعذيبهم وأهانتهم طالت الصحفيين والناشطين والأكاديميين، وإعدامات للفلاحين في مزارعهم، والتمثيل بالجثث بوحشية داعشية لا مثيل لها.
حرب عبثية مستمرة وجرائم حرب وتغيير ديمغرافي ممنهج تحدث في عفرين الآن، ضد إرادة شعب أصيل أراد أن يعيش بسلام.
كل تلك الجرائم كان تزامنا مع صمت المجتمع الدولي وتناسيه لأهم مواثيقه وعهوده المتعلقة بحقوق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها، إذ رضخت قوانين السلم والأمن الدوليين التي تتباهى بها لمصالح الدول التي تقتسم كوردستان بموجب اتفاقيات جيوسياسية ومؤامرات دولية، تناست لواجبها الدولي والاخلاقي في حماية الشعوب المضطهدة، لتؤيد الأنظمة الاستبدادية وتخترق مواثيقها الدولية، لتفسح المجال أمام جرائم إبادة جماعية ضد الشعب الكردي كلما نادى بحقوقه المشروعة كشعب أصيل يعيش على أرضه التاريخية.
إذاً استناداً لتلك المواثيق والاتفاقيات الدولية لمنع جريمة الإبادة وبالرغم من انضمام كافة الدول لتلك الاتفاقيات إلا إن جريمة الإبادة الجماعية قد مورست من قبل الأنظمة الدكتاتورية الحاكمة والتنظيمات الإرهابية ضد الشعب الكردي ، فجميع أركان الجريمة من نية القتل والإبادة والتدمير الجزئي أو الكلي وذلك وفق خطة ممنهجة ووعي وتصميم سابق متوفرة في جريمة الإبادة ضد الشعب الكردي في كل تلك المدن الكردية.
لذلك لا بد من محاكمة جميع المجرمين وكل من كان مسؤولاً عن ارتكاب تلك الجرائم ومعاقبتهم، واتخاذ اجراءات على مستوى دولي أكثر حسماً للحيلولة دون ارتكاب جرائم الإبادة ضد الشعب الكردي، والعمل الجاد لحل القضية الكردية حلاً عادلاً وفق العهود والمواثيق الدولية .
بعد كل هذه المجازر الفظيعة بحق الشعب الكردي !!
بعد الأنفال والإبادة الجماعية !!
ألا يستحق الشعب الكردي أن يقرر مصيره بنفسه !!!!!!؟
زهرة أحمد : ناشطة حقوقية وسياسية
التعليقات مغلقة.