محمود عباس: مصداقية الباحث العربي محمد جمال باروت مثالاً “الجزء السادس”..
الجغرافية، غاية الكاتب لطمس حقائق في الواقع الحالي، فيعمد إلى تحوير الحقائق التاريخية، مستخدما عاملي اللغة والدين المسيحي قبل الإسلام، ومن ثم الإسلام واللغة العربية بعد انتشار الأخيرين، فنود لفت انتباه القراء الكرام إلى الإشكالية التاريخية والجغرافية والديمغرافية التي يتلاعب بها الكاتب، معتبرا الطرف المناقض لغايته من التاريخ أسطورة، حيث يذكر في الصفحة (284؛ “إذا كانت أسطورة السريان بمعناها الأعم عن الأصل المجالي، وأسطورة الأكراد عن المجال الحيوي المتواصل، مجرد أسطورتين لا أكثر بنتهما النخبة وفق أدلة تخيلية أكثر منها تاريخية، وإن كانت الأدلة التخيلية تستعين بالتاريخ، إذا تمثلت الحقيقة التاريخية في أن عدد البؤر والقرى والتجمعات الحضرية في أعالي الجزيرة السورية كان محدوداً جداً طيلة قرون طويلة تميز فيها العمران بالانقطاع” أهـ. بملاحظة “إذا” في بداية النص و”مجرد أسطورتين” في درج الكلام يعلم أنه يجانب الحقيقة، ومن دون خجل يلغو في كلامه، فتاريخه المذكور قبل الإسلام لا يتعدى الجزيرة العربية إلا في مسألة التجارة على الأغلب. ويتلاعب بالمصادر التاريخية كأن القراء الكرام لا يفقهون شيئا. والأسطورة العربية حول احتواء المكان، والوجود الجغرافي –الديمغرافي ليست سوى أسطورة مبنية على احتلال القبائل العربية الجاهلية والإسلامية، لجغرافية الشعوب السورية الأصلية بعد الإسلام. وكانوا حضرا وأصحاب حضارات قبل بداية الغزوات، وأسطورته العربية لم تكتمل إلا في بدايات القرن الماضي، رغم سيادة اللغة العربية عن طريق القرآن الكريم وأداء الشعائر الدينية، وحدث هذا أثناء تصاعد النعرة القومية العروبية، والتي مثلها بشكل جلي خطاب الملك فيصل التاريخي في حلب عام 1920م عندما قال “العرب هم عرب قبل موسى وعيسى ومحمد…إننا عرب قبل كل شيء”.
توزيع جغرافية كوردستان، وبدون أي سند تاريخي، وتقسيمها بين القبائل العربية التابعة لقبيلتي بني ربيعة والقيس والتي كانت تسكن منطقة تهامة ونجد وجنوب بادية الشام ومنطقة الأنبار الحالية، وهي قبائل كما ذكرنا سابقاً، من عرب الشمال المستعربة، ولم تخرج من مناطقها، إلا في بعض حالات البحث عن الكلأ، وفيما بعد أثناء الغزوات الإسلامية الأولى، وابن الأثير هو أول من ذكرهم، وركز على ثلاثة فروع من بني ربيعة (بني بكر، وبني حنيفة، وبني تغلب) من أصل أربعة كبرى، وعلى مضر من القيسية، وجميعها قبائل رحل، وليسوا سكنة الأراضي الزراعية ولا هم من الحضر، والذين لم يتجاوزا حسب المصدر المذكور، تخوم الفرات الجنوبية، وهزيمة يوم عقرباء، كانت على أطراف مدينة الرياض الحالية، في ذلك اليوم قتل مسيلمة وانكسر بنو حنيفة. حتى أن (سجاح التغلبية) التي ادعت النبوة، شاركت مسيلمة في حروب الردة الدموية، وعاشت حتى عهد الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان، الذي أخرجها من بين بني تغلب بعد أن بايعوه إثر مقتل علي بن أبي طالب، وأسكنها مدينة الكوفة إلى أن ماتت هناك. وبكر، كانت مناطقها في جنوبهم أي مناطق نجد والبحرين. ولا يورد ذكر عند المؤرخين المسلمين القدامى، كالطبري، وابن الأثير، والمسعودي، حول مناطق ترحال قبيلة ربيعة، وقيس، وأوسعهم شمالا تغلب وليست بكر.
شمال البادية السورية وأبعد شمالا من جنوب بلاد ما بين النهرين، وأطراف جنوب الفرات وجنوب الموصل والتي يقول الكاتب أنه كانت لهذه القبائل فيها كنائس، علما أنه هناك شكوك حول انتماء هذه الكنائس للأقوام المسيحية الأصلية كالسريان والكلدان، أم للقبائل العربية التي لم تعرف الحضر ولم تكن لها مساكن حضرية، فكيف ستكون لها كنائس مبنية ثابتة؟ باستثناء ما كانت مبنية في عاصمة الغساسنة…
يتبع..
التعليقات مغلقة.