الجدير بالذكر و الذي تجهله الأغلبية أن كوريا الشمالية و الصين و اليابان و فيتنام…هي دول تعادي الرأسمالية شكلا و مضمونا من حيث الفكر و النهج و النظام ،كما أن هذه الدول تعتبر قوة صناعية من حيث الإنتاج ،أكثر نوعا ما من أمريكا و أوربا بحكم اليد العاملة و نهج الطبقة التكنوقراطية في تسيير شؤون البلاد في كل مجالاته.
زيادة إلى ان هاته الدول تملك اسلحة نووية مدمرة جد متطورة كل الشك أن الإبتكار الأمريكي و الأوربي لم يصل لها بعد ،هذا يظهر في تصريحات و استعراضات عسكريي و خبراء هذه الدول ،بالإضافة إلى أن لديها قواعد عسكرية مدججة بالصواريخ العابرة للقارات صوب الولايات المتحدة ،نتيجة التكهرب و العداء التاريخي و السياسي و الإقتصادي و الفكري و الشعبي.
ما تم إتخاده بخصوص تعليق تجارة كوريا الشمالية النووية ليس ضربة قوية لها فقط ،بل كذلك ضربة لإيران التي تعتبر الزبون الأول لدى دول آسيا الشيوعية كالصين و كوريا الشمالية و اليابان…،علما أن أنظمة هذه الدول الشيوعية تنهج نهجا علميا يضرب بالمباشر في الراسمالية و الإمبريالية الغربية ككل ،عكس شيوعية روسيا الستالينية المزيفة التي تلعب على وتري الشرق و الغرب في أغلب احوالها.
مشكلة الغرب مع الأتراك و الفرس و العرب مشكلة تاريخية متجذرة قومية و دينية و فكرية ،إذ يرى الغرب أمنه و امانه و سلامته في زوال هذه الشعوب و ليس فقط الأنظمة ،بالإضافة إلى أن إيران فتحت أبوابها بالسر للصين و اليابان و كوريا الشمالية لخلط أوراق الغرب ،هنا بدأ التحرك الأمريكي و الأوربي تجاهها بشكل جدي ،من خلاله ٱنضاف إلى المشكل التاريخي مشكل آخر إستراتيجي و إقتصادي.
صحيح أن امريكا كانت تعتمد على تركيا و إيران كحليفين إستراتيجيين لتثبيت مصالحها في ظل قوة الأنظمة العربية في الشرق الأوسط الموالية لبريطانيا و فرنسا اللتان إحتكرتا المنطقة سابقا ،لكن بعد غزو العراق و سوريا و تغلغل أمريكا في عمق الشرق الأوسط إنقلبت موازين القوة حيث أصبحت تركيا و إيران و العرب هم من بحاجة لأمريكا لضمان إستقرارهم ،كما لا يخفى أن أمريكا و اوربا في صراع ثنائي على المصالح الإقتصادية لكن توافقهما على مشروع سحق هاته الشعوب ذات التاريخ الأسود معهم امر لا غبار و لا خلاف عليه ،إذ أصبحت أمريكا و أوربا دائما ما تعمد على خلق حروب تناحر بين شعوب المنطقة الفرس و الترك و العرب لإكمال مشروعها بدون عناء مع ترويج تجارة السلاح المربحة زيادة إلى بسط النفود أكثر.
تركيا و إيران مستعمرتان إقتصاديا من طرف الغرب نتيجة الإستثمارات الأجنبية الأوربية و الأمريكية خصوصا خارج الأقاليم الكوردستانية ،علما أنها خطة ذكية القصد منها السيطرة على مناطق قوة الأنظمة شعبا و إقتصاديا للتحكم في حركة شعوبها ،إضافة للعلم فقط أن تركيا و إيران تعيش اغلب الأوقات على ضرائب و نسب تلك الشركات و المصانع الأجنبية ،اي حتى إقتصاديا فهما لا تتحكمان في إقتصاديهما و حركتيهما ،كونهما لا ينتجان شيئا فكل ما يذكر في الإعلام عار من الصحة ،أي كل مايتم صنعه في الداخل التركي و الإيراني أجنبي الصنع.
الشيء الذي يجهله الكورد هو أن مصدر قوة إقتصاد الدول الإقليمية يكمن في اقاليم كوردستان ،حيث تتوفر هذه الأخيرة على النفط و الغاز و المعادن و الماء و الفلاحة ،لكن المافيات الكوردية المعادية للتحرر تعلم كل هذه الحقائق كما انها تأخد نصيبه كشرطي مرور و حماية ،أي أن الدول الإقليمية إكتفاءا فقط بالأقسام الغير الكوردية لا تستطيع النهوض بنفسها دون كوردستان ،خير مثال عندما إستولى البيشمركة على كركوك و الإقليم بأسره إنهار العراق كليا.
فكرة أن الأنظمة الإقليمية قد تتنازل عن الكثير للغرب قصد تجميد القضية الكوردية لعقود أخرى أصبح أمر غير مقبول من طرفه ،لكن لماذا؟؟ ،الإجابة تكمن علميا و منطقيا و رياضيا بحكم أن الغرب يكتسح الأقسام الإيرانية و التركية إقتصاديا بشكل إستعمار غير مباشر ،أي فٱستقلال كوردستان سيكون بدوره منبع خير للغرب ،سيتم إقتطاع حصة كبيرة جديدة مع بقاء نفس الحصة التي يتقاضاها من الأنظمة وفق إستثماراته ،إذ سيصبح الغرب ذا نفوذ هنا و هناك بذلك سيضمن دخلا أكبر جدا.
في طور هذه الفوضى فالغرب يرى ضرورة دولة مستقلة كمنطقة أمنة لتمرير مشاريعه في المنطقة ،علما ان الكورد هم أقرب لذلك تاريخيا و فكريا و عقائديا من الفرس و الترك و العرب ،والذين أصلا يحاربهم الغرب شعبا و إقتصادا و سياسة رغم المظاهر و الصفقات ،كما أن ما يعيشه الكورد من مآسي الآن هي فقط نتيجة ردود أفعال الغرب على تاريخ “صلاح الدين الايوبي”
،الذي لعب الزعيم “مصطفى البارزاني” دورا كبيرا في تلطيف الجو سياسيا و اخلاقيا و فكريا بتحسن علاقة الغرب و الكورد بشكل ملحوظ و ملموس.
لو تمعنا جيدا الغرب فإنه يرى في الكاثوليكية المرجع الأساسي له ،لهذا يعمل على نية سحق كل شيء إلا اليهودية التي تعتبر أم المسيحية حسب تحليلهم التاريخي العرقي و الديني و الفكري ،إضافة إلى أن الأرثوذكسية بالرغم من بعض الإختلافات فهي تتفق مع الكاثوليكية في محاربة الفكر الإسلامي ،لهذا دائما روسيا و أوربا و أمريكا تتوافقن جدا بخصوص هذا المخطط ،إضافة إلى الحقد القومي التاريخي بين هؤلاء تجاه العرب و الفرس و الترك لأسباب حروب و جرائم في حقهم قديما.
ما يفتقر له المثقف هو بعد نظري إنطلاقا في تحليل نفسية الطرف المدروس ،أي إفتقار إلى هكذا نظرة يؤدي بٱنزلاق غير مقنع في تشخيص الحالة او الموقف ،فإذا لاحظنا جيدا سنلتمس أن معظم مواقف إسرائيل و أوربا و أمريكا و روسيا تجاه الغير بغض النظر على المصالح و السياسة إلا أنها تحكمها تراكمات نفسية تاريخية ،إذ أن اليهود و النصارى لم ينسوا جرأئم الشعوب المذكورة فيهم ،لهذا فأي خطوة أمريكية و أوربية و اسرائيلية تكون محملة بشحنة نفسية سوداء تجاه الهدف قبل أن تقرأ سياسيا و إقتصاديا ،اي أن المخططات الإقتصادية و العقائدية و السياسية الغربية هي كذلك إمتداد للرغبات المكبوتة و التراكمات النفسية تجاه العدو التاريخي القديم ،لهذا الكل يريد تفقير منطقة الأعداء و القضاء على كل من له تاريخ اسود معهم ،بالإضافة إلى إفشال النهوض الشيوعي فيها و محاربة كل الأديان التي تحمل كرها و حقدا تجاه اليهود و النصارى بإسثتناء القوميات المسالمة على رأسها الكورد بحكم العلمانية و التحرر و الإنفتاح و التعدد.
إن الأنظمة الغاصبة لا تستطيع تسيير وضعها بدون كوردستان ،الغرب الآن وصل لتحريك هذه الورقة عندما إنهارت كل تلك العقبات المتمثلة في حلفائه الذين يخشى ردودهم (قوة العرب ماديا و معنويا أنذاك) ،أما الآن فالعرب و الفرس و الترك ضعفاء سواء داخليا و خارجيا علما أنه نجحت خطة تفكيكهم في طور إعادة ترميم دولة كوردستان كبديل و تحويل الأزمات إلى الدول الإقليمية.
كفكرة أحببت أن أوضحها حسب قراءتي للمشهد هي أن الكورد إنزلقوا عاطفيا ساخطين بأحداث كركوك دون معرفة حقيقة ما حدث بالضبط ،علما أني أكدت أن كركوك لن تسقط حسب علم مسبق ،لكن بعد سقوطها صدقا كنت أول من أكدت مئة مرة أنه يعد خطأ تاريخي و خسارة لأمريكا موضحا بأن عقب احداث كركوك ستتم العديد من التغييرات في الداخل الأمريكي نظرا لحساسية الحدث ،مؤكدا أنه سيتم زلزال سياسي داخل المؤسسات الأمريكية ،فعلا هذا ما حدث في الآونة الأخيرة بالضبط عندما تم البحث في المسؤولين المتواطئين فتمت إقالتهم و العديد منهم تم نحيه دون ضجة إعلامية.
الحقيقة من خفايا أحداث “كركوك” أن بريطانيا أبرمت الصفقة بحضور فرنسا و أمريكا و السعودية ،حيث كانت أمريكا و السعودية تطمح في أن تمنح كركوك لبغداد شريطة ان يفك “العبادي” إرتباطه بإيران و طردها من العراق ،لكن هذا لم يتم إذ بعد الأحداث تعنت “العبادي” على أمريكا رافضا ترك إيران بأمر من بريطانيا ،الشيء الذي جعل من امريكا تخطط لإفشال بعض مخططات إيران ابرزها رسم الإنتفاضة الإيرانية كرسالة إنذار ،جعل من إيران تسحب بعض ميليشياتها و وضع الحشد الشعبي على قائمة الإرهاب و رفع الضغط الإيراني على بغداد.
أمريكا كانت تخطط فيما إذا تم منح “كركوك” لبغداد أن تترك السعودية تحكم إنطلاقا بوصول سنة العراق إلى السلطة ،بعدها مباشرة ستدعم أمريكا الكورد لٱسترجاع “كركوك” من قبضة القوات العراقية ،بمعنى ضرب عصفورين بحجر واحد ،لكن الإدارة الأمريكية خصوصا الخارجية أخطؤوا التقدير هذه المرة ،ما سبب غليانا داخليا أمريكيا في البنتاغون و الكونغرس و المعارضة الأمريكية ما جعل “ترامب” مضطر للقيام بإقالات طارئة عديدة قصد تدارك ما يمكن تداركه.
خلاصة القول أن قضية كوردستان هي واقع جاد ينتظرها وقت ليس ببعيد لتصبح دولة ،المسألة لا تحلل بإشكالية الخونة و التفرقة لأن في إيران و تركيا و روسيا و أمريكا…عصابات متناحرة داخليا لكنها تبقى دولة من الصورة الظاهرية ،عندما تعطي أمريكا الضوء الأخضر للبيشمركة فلن يستطيع الخونة أن يقفوا ضد التحرير أي لن يكون لهم أي دور و مكانة ،بل ستحرر كوردستان كأنها كانت مجتمعا فاضلا من ذي قبل ،زيادة أن امريكا و اوربا نفسها ستحارب الكورد الذين يغردون بعيدا عن لحن الإستقلال كما بدأ هذا يظهر بشكل واضح على الساحة بالخصوص من لهم علاقة مع إيران…،هذا واقع كل الدول التي نالت إستقلالها”.
الكاتب الأمازيغي : يوسف بويحيى
التعليقات مغلقة.