لم يعد أحد يستطيع التكهن بما قد يحدث في سوريا، وما هو العلاج لهذه الأزمة السورية الخانقة التي دخلت عامها الثامن، وخاصة بعد الحرب الإعلامية الأخيرة التي بدأها دونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بنيته شن هجوم عسكري وبمشاركة حلفائه على نظام الأسد بعد استخدام الأخير للسلاح الكيماوي في دوما.
ومع تأزم الوضع وخاصة عدم وجود رؤية واضحة لإنهاء الأزمة السورية من الدول المتصارعة على الكعكة السورية، وعدم اتفاق السوريون فيما بينهم، يتطلع الشعب السوري عامة للخلاص من رحى هذه الحرب المجنونة ، والشعب الكوردي خاصة الذي يتوق إلى نيل أبسط حقوقه ضمن سوريا تعددية لامركزية فيدرالية يصون حرية الجميع.
وقام إعلامي موقعنا R-ENKS ، باستمزاج آراء بعض الحقوقيين والسياسيين والأكاديميين حول مستقبل الحل في سوريا والقضية الكوردية، بطرحه عليهم هذا السؤال:
“كيف تنظرون إلى مستقبل الحل في سوريا عامة وخصوصاً بعد تضارب الأوراق وإعلان أمريكا وفرنسا بشن هجمة عسكرية على النظام على إثر استخدامه للسلاح الكيماوي في دوما وحول القضية الكوردية خاصة بعد احتلال عفرين وآلية عمل المجلس الوطني الكوردي في هذه المرحلة الحساسة”؟.
فقال الدكتور آلان قادر حقوقي ورئيس الجمعية الكوردية للدفاع عن حقوق الانسان في النمسا،ومدير برنامج دنكي كوردستان في لينز
لو ادركنا تعقيدات الصراع الدائر في سوريا وتعارض الأولويات والطموحات لدى الأطراف المتنازعة مع اختلاف المرجعيات السياسية للأطراف المتحاربة على الأرض، لاسيما أن أهدافها ومصالحها متناقضة كليا وفي اغلب المجالات وعلى وجه الخصوص صياغة مستقبل سوريا بالشكل الذي يضمن مصالحها الجيواستراتيجية ،طبعا هذا يشمل العناصر الإقتصادية ،العسكرية والسياسية.
وأضاف قادر بما ان الوضع في سوريا معقد بما فيه الكفاية والحرب تدار بالوكالة، نظراً لتداخل مصالح قوى اقليمية وعظمى، فاعلة تطمع في تقاسم الكعكة السورية، منوهاً بأن التهديدات الأخيرة للرئيس الأمريكي ترامب لضرب مواقع تابعة للنظام الدكتاتوري في عملية مشتركة مع فرنسا وربما بريطانيا ،بعد قصف دوما بالسلاح الكيماوي، في حقيقة الأمر يقصد بها الإيرانيين بالذات ولاسيما نشاطاتهم العسكرية في سوريا وعلى مقربة من الحدود السورية التي تشكل خطراً جسيماً على أمن إسرائيل.
وتابع قادر بالقول عندما زار نتانياهو بوتين في موسكو قبل أشهر، موضحاً بأنه طلب من بوتين التدخل لتحجيم تلك النشاطات الإيرانية وابعادها عن حدود إسرائيل ولكن لم يحدث أي شيء على أرض الواقع، مستشهداً بإسقاط الطائرة الإسرائيلية F16 قبل أشهر من قبل الإيرانيين التي سقطت على الأراضي الإسرائلية المحاذية لسوريا.
ونوه قادر بأن لدى ترامب حسابات ودوافع سياسية داخلية ولاسيما أن الانتخابات النصفية قادمة في شهر نوفمبر القادم وهو لايخفي ترشيحه لدورة رئاسية ثانية. وأشار قادر بأنه يصعب التكهن بمستقبل سوريا وطرح حلول نهائية بناء على الأسباب التي ذكرتها أعلاه ولكن ثمة نظرية تستخدم لحل النزاعات والأزمات تقول: “لا يوجد حل عادل بل حل عاقل”،أي انه لا بد من قيام الأطراف المتحاربة بالتخلي عن جزء من الأهداف الكبرى التي تتبناها، حتى يلتقي الجميع في منتصف الطريق لوقف النزيف بشكل كامل والتوصل إلى تسوية تنهي الصراع.
وأردف قادر بقوله ماهو واضح أن سوريا لن تبقى دولة مركزية كما كانت قبل 2011، بل هناك حلين لاثالث لهما، قابلتان للتحقيق بناء على توازن القوى التي تحارب على الأرض :
أولا: “تحويل سوريا الى كيان فدرالي وبضمانات دولية”، مستشهداً بما حدث في دايتون وتحديدا في العام 1995 بعد حرب أهلية في يوغسلافيا السابقة، دامت 3 سنوات.
منحت اتفاقية دايتون الصرب جمهورية مستقلة تمتد على 49%من المساحة الإجمالية للبوسنة والهرسك، في حين جمعت المسلمين والكروات في فدرالية على 51%، وجعلت رئاسة فدرالية البوسنة والهرسك جماعية تتألف من مجلسٍ ثلاثي يُمثل المكونات الثلاثة (الصرب والكروات والمسلمين ويتناوب الأعضاء الثلاثة على الرئاسة بمعدل مرتين مدة كل واحدة منهما ثمانية أشهر خلال العهدة الرئاسية المحددة بأربع سنوات) .
ثانيا: “تقسيم البلاد إلى 3 كيانات مستقلة ذات سيادة”، عربية-علوية، عربية- سنية وكوردية، طبعاً بضمانات وإشراف دولي.
وزاد قادر بالقول يمكن انشاء كونفدرالية بين تلك الكيانات الثلاثة، ولكن احتلال عفرين من قبل تركيا وبمساعدة حصان الطروادة ب ي د عقد وضع الكورد أكثر وجعل من هذا الهدف صعب التحقيق إلا إذا كانت هناك إرادة وتوافق دولي حول هذا الموضوع، موضحاً بأن تركيا تخاف من انتقال عدوى الفدرالية والاستقلال إلى شمال كوردستان، مردفاً بأن تدمير كوباني واحتلال عفرين خطوات وتدابير موجهة إلى عرقلة قيام أي كيان كوردي في الجزء الغربي من كوردستان، تنفيذاً لوصية الشوفيني سليمان ديميريل الرئيس التركي السابق الذي قال:”لن نقبل قيام أي كيان كوردي مستقل حتى ولو على شكل خيمة في أدغال افريقيا”.
وقد ظهر عداء اردوغان الشديد والحكومة التركية بأسرها من الاستفتاء في اقليم كوردستان من العام الماضي.
وأوضح قادر بأن الهدف من سيطرة مقاتلي ب ك ك على غربي كوردستان وتشكيل إدارة ذاتية بالاتفاق مع الحكومات الإقليمية ولاسيما سوريا، تركيا وإيران هو لإفشال قيام أي كيان كوردي مستقل وعرقلة توحيد غربي كوردستان مع إقليم كوردستان وإعلان دولة كوردية مستقلة ولاسيما في ظروف سقوط حكومتين مركزيتين في العراق وسوريا وسيطرة داعش على مساحات كبيرة من ارضيهما.
وحول آلية عمل المجلس الوطني الكوردي
قال قادر بكل أسف أقول إن المجلس الوطني الكوردي بالرغم من الدعم المقدم له من إقليم كوردستان، لم يواكب تطورات المرحلة والتغييرات الديناميكية التي حدثت سواء في المنطقة أو العالم وتخلف عنها ، لأسباب عديدة لايسع المجال ذكرها هنا ولاسيما:
1- المحاصصة الحزبية ودوره كإطار أو تحالف حزبي بين عدة أطراف وليس مؤسسة سياسية فاعلة تمثل إرادة شعب في تقرير المصير، بما فيها تشكيل دولة مستقلة وذات سيادة.
2- الهجمات الشرسة على المجلس من قبل سلطة ب ي د وعدم السماح بإدخال البيشمركة والتناقضات الداخلية للمجلس اضعف كثيراً من دوره، أن البقاء ضمن الإئتلاف السوري حتى بعد احتلال عفرين اساء إليه كثير وأثر سلباً على دوره.
ودعا قادر إلى إعاد هيكلة المجلس وآليات عمله، إشاعة الديمقراطية الحقيقية، بصورة ينسجم مع روح العصر وعالم القرية الكونية، الاستعانة بالكوادر والكفاءات الأكاديمية الكوردية المستقلة من خارج المجلس ، تفعيل المؤسسات، النزول الى الشارع عن طريق مختلف النشاطات السياسية والاجتماعية والثقافية، بهدف التعبير الحقيقي عن نبض الشارع الكوردي وغيرها من التدابير كفيلة بإعادة الحياة الى المجلس الذي اصابه الترهل والعجز والشلل وعدم وضوح الرؤية.
ومن جانبه رأى الدكتور كاوا ازيزي عضو اللجنة المركزية في حزب الديمقراطي الكوردستاني- سوريا :
أن مستقبل الحل في سورية سيكون سياسياً ومن خلال الشرعية الدولية ، وطاولة المفاوضات في جنيف .
وأكد أزيزي بأنه لا يمكن حل القضية السورية عسكرياً ، لا من طرف النظام ولا من طرف المعارضة ، موضحاً أن الحل سيكون حلاً دولياً ومن خلال مؤتمر دولي، وسيحدد فيه ملامح وشكل النظام السياسي في سورية ، وتثبيت حقوق جميع المكونات السورية في صياغة الدستور السورى الجديد .
وأضاف أزيزي هذا الحل سيتم بتوافق دولي وخاصة روسيا وأمريكا، روسيا من جهتها , وباتفاق مع تركيا وإيران يريدان عزل أمريكا عن الساحة السورية ، لكن هيهات، أمريكا موجودة وستفرض نفسها على الجميع باساطيلها وصواريخها الذكية وقوتها الإقتصادية ونفوذها الدولي .
وتابع أزيزي أمريكا وباتفاق مع فرنسا بريطانيا , ومعهم أوربا ودول الخليج وإسرائيل سيفرضون أنفسهم على الوضع في سورية , وسيفرضون ما يرغبون .
وحول القضية الكورية رأى أزي بأنها جزء من المشكلة السورية سيتم حلها من خلال التسوية النهائية لوضع سورية، وما سيفرضه كل من روسيا وأمريكا وما يضمن أمن حدوود دولة إسرائيل ودخول سورية في تسوية سلمية باتفاق سلام سوري إسرائيلي ، كالأردن ومصر والفلسطينيين .
ونوه أزيزي بأنه ربما يفرض وضع خاص على سورية كدولة غير منحازة , ومعزولة السلاح وضمان أمنها دولياً من أجل إعطاء فرصة للتنمية والمصالحات الداخلية والخارجية .
ورأى السياسي عبدالرحمن كلو عضو اللجنة السياسية لحزب يكيتي الكوردي في سوريا، بعد قيام أمريكا وبتحالف مشترك مع فرنسا وبريطانيا بشن هجمة جوية على مواقع للنظام :
بأن نتائج الضربة- الأمريكية الفرنسية البريطانية – قد سبقت تنفيذ الضربة إذ استطاعت أمريكا اخضاع الطرف الروسي لشروطها بشأن التواجد الايراني في سوريا والمعارك الحالية ماهي إلا لرسم حدود تقسيم مناطق النفوذ بين روسيا وأمريكا وتركيا مع تحجيم وانهاء النفوذ الايراني في سوريا وإن كانت العناوين تأتي في غير هذا السياق .
وأشار كلو إلى ثلاث مناطق نفوذ رئيسية من وجهة نظره :
أمريكية، روسية، تركية ، بعيدا عن إيران التي أعلنت في أول رد فعل لها على لسان المستشار السياسي لخامنئي أن القوات الموالية لها سوف تتقدم باتجاه ادلب وريف إدلب أي أنها ستكون في مواجهة مع التمدد التركي في الشمال السوري .
وأضاف كلو ستكون هناك مرحلة انتقالية بخصوص مستقبل سوريا القريب تكون سوريا فيها مقسمة فعليا بانتظار الحلول النهائية في السنوات المقبلة.
وحول القضية الكوردية رجح كلو بأننا أمام استراتيجيتين مختلفتين بالنسبة لغربي الفرات في عفرين وشرقي الفرات في باقي مناطق كوردستان سوريا خاصة وبعد أن فقدت منظومة ال pkk كل أوراقها كردياً بعد تسليمها عفرين وسعيها بالتعاون مع منظومة التحالف المعادي للمشروع القومي الكوردي وفي المقدمة منها تركيا رغم إعلامها المضلل .
ووجه كلو دعوته إلى المجلس ليخرج من حالة الترهل التي يعاني منها ويعيد قراءة المشهد السياسي الجديد بعد احتلال عفرين وفق استراتيجيتي ضفتي الفرات الجديدة والتي فرضتها التفاهمات الروسية الأمريكية التركية ولن ينجح المجلس في ذلك إلا اعتمد الحالة المؤسساتية في أليات عمله بعيداً عن الاصطفافات الحزبية ومحاصصاتها الكابحة و المربكة لدوره كممثل لمشروعية قضية شعب يعيش على أرض وطنه التاريخي.
آراس شيخو
إعلام ENKS
التعليقات مغلقة.