محمود عباس : ترامب وسياسة التويتر…
كانت شركة التويتر تعاني من تراجع في أعداد مستخدميها مقارنة بالفيس بوك، والإنستغرام، لكن مع دخول ترامب إلى البيت الأبيض، واستخدامها كمنصة لإيصال قراراته، أثار حولها ضجة إعلامية، وزاد من انتباه الشارع الأمريكي لها، علماً أنه كان يستخدمها سابقا، لكن تسخيرها كرئيس، عززت من أهميتها بين المجتمع الأمريكي بل وفي العالم، وهذ ما أدى إلى صعود أسهمها في البورصة العالمية.
تتالت وبشكل شبه يومي تويتراته، مسرعاً بها نشر طروحاته السياسية الانفرادية، وقراراته الارتجالية، فنتجت على أثرها أخطاء لا يمكن التغطية عليها، كالتعزية المرسلة إلى ضحايا جريمة مدينة سوثيرلاند سبرينغ- تكساس في يوم 5 -11-2017م، والمزال بعد ساعات على خلفية الانتقادات الحادة من متابعيه، ولربما من مستشاريه، مع ذلك لم تحده من التفرد بكتابة أرائه، والتي جذبت انتباه العالم الخارجي إلى الوسيلة التي يرتكز عليها رئيس أمريكي غريب المزاج والمواقف، وصاحب القضايا المثيرة منذ حملته الانتخابية، في نشر أفكاره، كعملية بناء الجدار، ومشكلة الهجرة الخارجية، وتهجمه على الإعلام المعارض له، وخاصة على قناة ال (سي ن ن)، وبعد شهور من استقراره في البيت الأبيض، بدأ يسخرها لغاياته السياسية الداخلية من ثم الخارجية، وهذه الأخيرة أدت إلى مراقبة الإعلام لصفحاتها بشكل متواصل، والاهتمام بها ليس كوسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي، بل كطريقة عصرية للرئيس الأمريكي الجديد في إيصال أفكاره بل وقراراته إلى الشعب الأمريكي والعالم، وهي ما أعادت لهذه الشركة مكانتها، ويقال أنه أنقذها من الإفلاس، إلى درجة أن البعض أصبح يشكك في احتمالية علاقة اقتصادية بينهما.
ومع انتظار الإعلام لما سيكتبه الرئيس في صفحته على التويتر، في مساءه وصباحه، تزايدت بشكل غير مسبوق عدد مستخدميها، بل وفتح للعديد من رؤساء وسياسي العالم صفحات فيها، لكنهم غالباً ما يعبرون فيها عن أراءهم الشخصية، وبدأ الإعلام يحصل على قرارات ترمب الرسمية على الأغلب، وأراءه حول القضايا المثارة عالميا، وأحيانا مواقفه من القضايا الدولية من خلال صفحته الخاصة.
ورغم تصاعد أعداد مستخدمي التويتر وانجذاب المشاهير إليها، ظلت تويترات الرئيس الأمريكي الأكثر إثارة، وبقي على رأس قائمة السياسيين الكبار في العالم في كثرة متابعيه وغرابة المواضيع التي يطرحها، إلى أن بلغ به حد إعلان طبول الحرب من على صفحاتها، وعزل وتعيين موظفي البيت الأبيض، معظمهم شخصيات مهمة على المستوى العالمي، وقيل إنه عزل وزير خارجيته ريكس تيلرسون ومستشاره للأمن القومي ماك كفيرك من خلال التويتر دون إبلاغهما مسبقا، بل وذكر أن مستشاره علم بالأمر وهو في الحمام، وبلغ عدد الموظفين الذين تم تسريحهم عن طريق التويتر قرابة الـ 35 شخصا.
ومع الأيام تشعبت القضايا المطروحة بشكل منفرد، إلى أن بلغت أبعاد استراتيجية وسياسية محرجة لحزبه ولموظفي البيت الأبيض، كتصريحاته التويترية المتأخرة، الغريبة أو البعيدة عن الواقع العملي، ومنها أنه سيقوم بإعادة المصانع الأمريكية المهاجرة إلى الداخل، علما أنه يدرك كرأسمالي، أن هذه الإشكالية ليست من القضايا البسيطة التي يجب عرضها كرغبة في التويتر، بل تحتاج إلى دراسات واسعة تقوم بها المراكز الاستراتيجية الاقتصادية والسياسية. ومثلها ردوده على رئيس الـ (ف بي أي) السابق جيمس كومي على خلفية المعلومات التي أوردها في كتابه المزمع نشره قريباً، واصفا إياه وفي عدة تويترات متتالية باللاأخلاقي، وبرئيس المافيا، كما واتهمه بالكذاب والمتذبذب في طريقة تناوله لقضية هيلاري كلينتون أثناء الحملة الانتخابية، وألحق بها وصفه له بالرجل المصاب بداء الكذب، قائلا في إحدى تويتراته أن جميع موظفي البيت الأبيض كانوا يطلبون مني عزله، وأضاف في أخرى، أنه قام بتسريب معلومات سرية، وعليه يجب محاكمته، وذلك لأن جيمس كومي طعن بشكل مباشر في شخصه، وصفه في كتابه بالأقصر من طوله الحقيقي، ويذكر أن وجوده كرئيس خطر على الأشياء القيمة في أمريكا، ويقال أنه يكشف بعض إسراره الماضية، ومنها التي يزمع أنها جرت في موسكو أثناء أحد حفلات ملكات جمال العالم في فندق ريتس كارلتون عام 2013م، فيقول أنه دفع لعدد من المومسات ليتبولن على بعضهن وعلى السرير الذي نام عليه الرئيس الأمريكي براك أوباما، ويؤكد أن الروس سجلوا ما تم هناك.
لقد أصبح ترامب شبه مدمن على التويتر، ففي 13-4-2018م وحتى الساعة الثانية كتب ترمب قرابة الخمس تويترات، أي أنه يكتب وهو على رأس عمله، وألحق بهم عددين في بداية الليل قبل بدأ عملية القصف على سوريا، والخروج على التلفزيون بشكل مباشر، ليقرأ في أوراق مكتوبه، وهذا يعني أنه لا يغلق صفحته، ويتابع الإعلام وما يقال ويرد عليهم، كأسرع طريقة، مستغنياً هنا عن التلفزيون، والجرائد، وحتى عن الخطابات التي تحتاج إلى وقت. وهكذا فصراعه مع مناوئيه، ومثلها إدارته لسياسته الداخلية والخارجية أصبحت تدار من خلال وسائل التواصل الاجتماعي (التويتر).
هذه الطريقة كلفت المؤسسات الأمريكية الكثير، فخلقت تناقضات حول العديد من المواقف والقضايا الداخلية والعالمية، بل وبدأت تظهر تأثيراتها وبشكل سلبي على استراتيجيتها، وعلى مكانتها كقوة عظمى، وفي الفترة الأخيرة تجلت الخلافات بشكل واضح بين التصريحات الصادرة من وزارة الخارجية والبنتاغون والبيت الأبيض، كالتي حصلت بينه وبين تصريح وزير دفاعه، منوها أن العملية على سوريا مستمرة، في الوقت صرح فيه الوزير أن العملية لمرة واحدة وانتهت، ليعود ترمب وفي هذا الصباح يناقض ذاته ويوافق الوزير، ومثلها حدثت سابقاً حول القضية السورية وإشكالية تواجد القوة الأمريكية العسكرية هناك، وموقفه من تركيا المتناقض مع تصريحات وزير خارجيته والبعض من جنرالاته، وكذلك حول هجوم تركيا على منطقة عفرين الكردية، وبقاء أو انسحاب القوة الأمريكية من مدينة منبج، ومعظمها على خلفية التويترات المفاجئة من الرئيس، المتعارضة مع الواقع العملي الجاري على الأرض، وأخرها تويتره المؤكد لتصريحه السابق حول سحب قواته قريبا جدا من سوريا، وإعادة جنوده إلى أرض الوطن.
ومن أغرب تويتراته، كان إعلان شبه الحرب على سوريا، وقوله أن صواريخه الذكية والمتطورة ستكون في طريقها إلى سوريا قريباً جداً، علما أن مثل هذا القرار العسكري، حتى ولو أنه وحسب الدستور الأمريكي، كقائد عام للجيش والقوات المسلحة، يحق له إعلان الحرب في حالات استثنائية دون العودة إلى الكونغرس، لكنها على الأقل تحتاج إلى استشارة خبراءه العسكريين ووزارة الدفاع، وفي هذا القرار ومن خلال تصريحات بعض قياداته العسكرية تبينت أنه لا علم لأي منهم بها إلا من خلال صفحته في التويتر أو ما تم نشره الأقنية التلفزيونية المعتمدة بدورها على تويتره، إلا البعض من موظفي البيت الأبيض، وأحد مستشاريه، وعلى أثرها ليس فقط تأخرت عملية القصف، ورغم أن العملية تمت، وقصفت عدة مواقع، إلا أنه بدأت تظهر إشكاليات حول حل قضية استخدام سلطة بشار الأسد للسلاح الكيميائي بطرق أخرى، لأن التغيير في السلطة أو منهاجيتها تحتاج إلى تحضير وجمع للقوى العسكرية والسياسية، ودراسة احتمالات ردة الفعل من روسيا على الأقل. وجاء الرد الروسي على تويتره السابق على لسان نائب رئيس الوزراء، أركادي دفوركوفيتش، قائلا ” لا يمكننا الاعتماد على مزاج شخص ما على الجانب الأخر من المحيط، عندما يستيقظ، فيكتب ما برأسه في الصباح على التويتر” دون أن يذكر اسم ترامب، وبشكل عام تقريبا كل ما يتعلق بهذه القضية يكتبها الرئيس في صفحته، والعديد من الإعلاميين يستندون عليها كسياسة أمريكا حول هذه الإشكالية، رغم التناقضات الفاضحة، كالتي حصلت مؤخرا أثناء قصف سوريا وبعدها.
على خلفية التناقضات المتزايدة بين القول في صفحة التويتر والفعل أو إمكانية تطبيقها في الواقع العملي، بدأت تظهر حالة من القلق بين السياسيين الأمريكيين، ومنهم من الحزب الجمهوري ذاته، حول مدى تأثيرها على مصداقية أمريكا مع حلفائها، وعلى علاقاتها معهم، وعلى سوية الثقة المتبادلة، وكذلك على ثقة الشارع الأمريكي بسياسييها، وبإداراتها، إلى درجة التخوف من أن يتحول ترسيخ هذا الأسلوب الفردي في إطلاق القرارات إلى شبه دكتاتورية في الرئاسة الأمريكية والتي لا يوجد قانون يحد منها.
بمتابعة أسلوب الرئيس ترامب في التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي وخاصة التويتر، يستفهم أنه يحاول الترويح للتكنلوجيا العصرية ومنها عملية التواصل الاجتماعي على السياسة، أو الحوارات السياسة، وتوسيع استخدامها في المؤسسات وإدارات الدولة، كما وأنه يسخر من السياسة والسياسيين على حساب الاقتصاد، وهذا غير متبع في أتكيت الإدارات الأمريكية، ولربما يحاول كرد فعل على الانتقادات الإعلامية له، فيحمل جهازه قبل النوم وفي الصباح يكتب ما يتحدث فيها سابقا مع معاونيه، أو ما يفكر فيه كأي مستخدم لتويتر، قبل الذهاب إلى مكتبه في البيت الأبيض، والذي لا يبتعد عن مسكنه سوى دقائق، أو مشوار ضمن ممرات البيت الأبيض، حتى أن أحد الجرائد الأمريكية المرموقة عملت دراسة على قدراته اللغوية الأدبية واستعمالها في خطبه وحديثه اليومي ومن على صفحات التويتر، خرجت بنتيجة أنه لا يتجاوز سوية الصف الرابع الابتدائي. وهذا لا يعني التقليل من دور وسائل التواصل الاجتماعي ولكن لم يحن بعد أن تنافس الإعلام الرسمي.
وهنا نتحدث عن رئيس دولة عظمى لها مكانتها، كإمبراطورية، تتحكم بمصير العديد من الشعوب، ولها مواثيق مع العالم الأوربي، وحلف الناتو، وبإمكان رئيسها إشعال حرب عالمية، فيتوجب عليه احترام القوانين الدولية، وأن يكون على قمة الإتكيت في العلاقات الدبلوماسية، متناولا الخلافات السياسية بأهمية بالغة، ومعظمها لا يمكن معالجتها أو حلها بل وحتى تعقيدها من خلال صفحات التويتر، وبضحالة لغوية، بل من السذاجة السماح له الاستخفاف بالاستراتيجية الأمريكية وسياستها الداخلية والخارجية، وعلاقاتها الدولية بهذا الأسلوب، حتى ولو أدرجت تحت غطاء التطور العلمي والعملي للتواصل بين المجتمع والدول.
القضايا الدولية، أو المشاكل الداخلية أي كانت نوعيتها، تحتاج إلى خبراء ومستشارين، بل وحتى أثناء الرد على انتقادات البعض من معارضيه، ليس من المناسب كرئيس أعظم دولة التفرد بها عن طريق التويتر ومن على صفحته الخاصة، فهو لا يمثل شخصه أو شركته، بل هو ملك الشعب الأمريكي.
ستنهار الثقة بالإدارة الأمريكية، وبالتالي بها كأقوى وأهم دولة في العالم، عند تكرار حالات تراجع رئيسها عن قراراته، وهذا ما تم، إما عن عدم بعد رؤية، أو تسرع في إصدار أفكاره بشكل فردي كشخص يستمتع بالكتابة على التويتر لجلب اهتمام أكبر عدد من المتابعين، وأن يكون مركز الاهتمام في الإعلام، ولا يهمه السبب، بقدر ما يهمه الحضور.
المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له علاقة بوجهة نظر الموقع
التعليقات مغلقة.