المجلس الوطني الكوردي في سوريا

يوسف بويحيى : الكورد و التغيير الديمغرافي …

115

لقد تعرض الشعب الكوردي عبر التاريخ إلى شتى الوسائل و العمليات الإستعمارية من اجل السيطرة عليه و إحتلال ذاته و عقله و أرضه ،بداية بالعنف المادي و الرمزي إلى سياسة الإبتلاع المتمثلة في التعريب و التتريك و التفريس الممنهجة من طرف الأنظمة الغاصبة الثلاث لكوردستان الكبرى.

أسباب هذا الجور و الظلم في حق الكورد عدة من بينها أنهم اصحاب قضية و وطن و تاريخ و حقيقة ،اخرى إقتصادية بٱعتبار كوردستان الكبرى أغنى وطن في المنطقة ،لكن الرئيسية منها بشكل واضح بالإعتماد على تحليل ممارسات الأنظمة الغاصبة على الإنسان الكوردي تبقى قومية صرفة لا غبار عليها ،على الرغم من أن السياسات و الأنظمة و الأوجه تتغير إلا ان النظرة و العقلية الحاكمة لا تتغير في رؤيتها للإنسان الكوردي.

الإنسان الكوردي مهما كان فكره و دينه و لكنته يبقى مستهدفا من الأنظمة الإستعمارية التي ترى فيه عدوا أبديا يجب ان يزال بأي طريقة كانت ،الشيوعي و الليبرالي و المحافظ هو كوردي بغض النظر على وعيه بذاته ،لهذا فعلى كل الأحوال هو في مرمى حجر عاجلا أم آجلا من الأنظمة الغاصبة لكوردستان ،والتجارب التاريخية و القائمة شاهدة على كيف كان الأعداء يقتلون المعارضين الكورد و يتخلصون بعدها من العملاء و المرتزقة.

أثبت التاريخ بأن العنف و القمع و الإستيلاب لم ينل من إرادة الكورد و وجوده على الرغم من بشاعة الممارسات و الأعمال اللاإنسانية و اللاأخلاقية في حقه ،ليتخد العدوان سياسة جديدة أكثر خطورة مما كانت عليه ،تكمن في “التغيير الديموغرافي” لتفريغ كوردستان من شعبها و توطين قوميات أخرى مكانه كالعرب و التركمان و الفرس.

التغيير الديموغرافي سياسة إستعمارية محضة الغرض منها ليس فقط إبادة الكورد بل محو كوردستان من الخريطة و الوجود شيئا فشيئا مع الوقت ،بالضبط كما حدث منذ بداية الغزو الإسلامي في الشرق الأوسط إلى الآن ،منه فقدت بعض المناطق هويتها الأصلية كالعراق و سوريا علما أنهما لم تكونا عربيتين أبدا إلا بعد الغزو العربي الإسلامي للشرق الأوسط بفعل الإبادة و القتل و التغيير الديموغرافي و التوطين.

صناعة “داعش” الإرهابية كان لها هدف واضح ملموس في إبادة الشعب الكوردي من أرضه و مناطقه ،آخرها كان بزي رسمي على يد تركيا الفاشستية في منطقة “عفرين” ،لكن السؤال الذي يعيد نفسه لمئة سنة من الزمن هو كيف يمكن للشعب الكوردي أن يتعامل مع هذا النوع من الخطورة التي تسعى إلى إقتلاع تاريخه من الجذور؟؟.

قلت الشعب الكوردي و لم أقل طرف معين بالضبط ،لأن الكوردي سواء كان سياسيا أو مثقفا او حقوقيا او فلاحا أو عاملا او مهاجرا يبقى مسؤولا أمام قضية الوطن و التاريخ و الوجود ،فعلى المثقف و المفكر أن يجتهد أكثر في التنقيب على الأسباب التي تؤدي بالحركة الكوردية إلى الطريق المسدود و الآفات التي لن ينكر أحد بأنها نتيجة جهل و قلة معرفة و ضيق رؤية ،لهذا يجب العمل على توعية الشعب بطرق تراتبية حسب قدرة الفهم و عقلية كل طبقة إجتماعية معينة ،فالمثقف يبقى ذلك الإنسان المتاح لكل شريحة إجتماعية كيفما كانت قدرتها العقلية و المفاهيمية.

كما يجب على السياسي الأخد و العمل وفق الدراسات و الحلول الأكاديمية التي ينتجها المفكر و المثقف الوطني ،معتمدا بذلك على نظريات و أفكار علمية ملموسة و واقعية بعيدا عن البراغماتية و الشخصنة و الأنانية و التسلط ،مع تسخير العمل السياسي من أجل خدمة القضية و الوطن و الشعب و المصلحة العامة ،وضرب الصراعات السياسية الأفقية بعرض الحائط كونها صراعات مصطنعة من طرف الأعداء ،علما أن من تهمه القضية و الوطن و الإستقلال لن ينجر ابدا إلى هذا النوع من الصراع و الخلاف.

الإختلاف في الرؤية حتمية كونية قبل ان تكون سياسية و فكرية…،لهذا فالإيمان بالقضية و الوطن و الذات يدخل من باب الفطرة الإنسانية ،منه نستخلص أن مسألة الصراع الكوردي القائم بخصوص القضية و الوطن أمر بعيد عن ممارسة الإختلاف المشروع ،بل خلاف لا يقبل القسمة على نصفين من حيث المنطق و العقل ،بمعنى أن طرف النضال من أجل الإستقلال الحر هو الجذير بقيادة الأمة و الحركة الكوردية.

إن من أهم أهداف النضال و المقاومة و دواعيها الحفاظ على الأرض و شعبها و رموزها التاريخية، ذلك لحماية كوردستان من الزوال و الإستنزاف الذي تتعرض له بفعل السياسات الإقليمية و الدولية ،لهذا فأمانة “عفرين” تتطلب من الساسة الكورد بعد أن خسروا معركة الأرض التوحد بمختلف أحزابهم و توجهاتهم لإعادة الشعب إلى المنطقة و إفشال المخطط التركي الساعي إلى توطين العرب فيها.

إن كانت القضية الكوردية حقا تهم الأحزاب في روجاڤا فليطرحوا حوارا جادا على الطاولة دون إقحام الإديولوجيات و المشاريع الحزبية لمساعدة النازحين الذين هم أصلا ليسوا محزبين و لا مؤدلجين ،حيث أن تقارب القوى السياسية بخصوص قضية أهل عفرين مبادرة مهمة من أجل تكوين خطاب قوي للضغط على المجتمع الدولي و هيئة الأمم المتحدة و الحلفاء الدوليين لعودة الأهالي إلى مناطقهم في ظل الحصار الذي تفرضه تركيا و عصابات المعارضة السورية ،مسألة التوحد في الظرفية الحالية مسألة إنسانية و أخلاقية و وطنية قبل ان تكون سياسية و حزبية من أجل حماية ما تبقى من الشعب الكوردي في عفرين و لوقف مخطط التغيير الديموغرافي.

إنه من الضروري على حركة المجتمع الديموقراطي و المجلس الوطني الكوردي أن يوقفوا صراعهم الحزبي و الفكري إلى أن يتم إعادة أهل عفرين إلى بيوتهم ،مع العلم أن كل من يتهرب من الحوار و التقارب الكوردي_الكوردي فإنه يعمل على إنجاح المشروع التركي ،ومنه فليتحمل المسؤولية التاريخية أمام ما يحصل في عفرين من إبادة و تغيير ديموغرافي.

الكاتب الامازيغي : يوسف بويحيى 

التعليقات مغلقة.