كتبت كثيرا إلى الشعب الكوردي بخصوص ألا ينزلقوا مرة اخرى في مستنقع القضية الفلسطينية نتيجة إنسانيتهم المفرطة ،هذا الهم الفلسطيني ليس قضية بل مسألة ،شيئا فشيئا فقدت حتى مفهوم المسألة لتتحول إلى مافية إقتصادية تحتكر الإقتصاد و السلاح بعيدة كل البعد على ما كانت عليه و ما يجب ان تكون ،أخص بالذكر حركة “حماس”.
لن تجد فلسطيني يعلم بالتدقيق شيئا بمشروع حركة “حماس” النضالي لأسباب كثيرة ،تكمن في التحول الذي طرأ داخل الحركة بعد أن تحالفت الأخيرة مع إيران قلبا و قالبا لتختلط أوراق الفلسطينيين بين إرادتهم و نهجهم التحرري الجديد أو الأحرى الدخيل ،إلى درجة أنه يقال على لسان الشارع الفلسطيني “لولا حماس لتحررت فلسطين” ،مع العلم تبنيها الكفاح المسلح و المقاومة ضد إسرائيل دون مساومة ،لكن لمن؟
هنا يكمن الغموض ،الحقيقة اليقين ان هذه الحركة تعمل كأداة لتصفية الحسابات الإيرانية الإسرائيلية لا أقل و لا أكثر ،وأنها لا تعير اي إهتمام للشعب الفلسطيني المسكين رغم التضخم الإعلامي و الشعارات الخلابة ،إذ تتحكم في كل ثروات و موارد الشعب الطبيعية و الباطنية دون أن يستفيد من أي شيء.
هنا لست بصدد الحديث عن المسألة الفلسطينية ،لكن أنا بصدد ان أذكر الكورد بتاريخهم معها ،وفق التجارب السياسية التي مروا بها و مازالوا إلى يومنا هذا ،مع العلم أن الشعب الكوردي كان من بين الشعوب التي تضررت من الأنظمة الغاصبة بتهمة العمالة لإسرائيل ،كذلك نفسه من تضرر من مواقف الحركة الفلسطينية اللاأخلاقية و اللاإنسانية في تجارب عدة ،كما يجب الإعتراف ان شباب الشعب الكوردي تطوع في صفوف الحركة التحررية الفلسطينية في أوج بريقها في الستينيات و السبعينيات و الثمنينيات ،زيادة إلى مواقف الشريحة الشعبية الكوردية للمطلب الفلسطيني الإنساني و المشروع.
بينما كان الزعيم “مصطفى البارزاني” متهما بالعمالة و الخيانة و الإنفصالية لصالح إسرائيل تفاجأ الجميع عندما أوقف الحرب و أخمد الثورة ضد النظام العراقي شريطة ان يمنح للأخير حق الإنضمام إلى حرب العرب ضد إسرائيل سنة 1967 ،لم يكن رد الجميل بالمثل من حركة “فتح” الفلسطينية للكورد في مجزرة “حلبجة” عندما أيدت بشكل ضمني أفعال “صدام” سنة 1988 ،تكرر نفس المشهد الفلسطيني المخجل في حق الشعب الكوردي في موقف الحركة التحررية الفلسطينية من إستفتاء الشعب الكوردي في جنوب كوردستان بالعراق ،تسلسل نفس الشيء من قادة “حماس” بخصوص موقفهم من مجزرة “عفرين” على يد الجيش التركي و المعارضة السورية ،هنا أستذكر بمقولة الشاعر الفلسطيني الكبير “محمود درويش” ليس للكوردي سوى الريح.
تصريح السيد “مشعل” بخصوص تمجيد الإجرام التركي لا يعني ابدا توافقه الفكري و النضالي مع الحدث بل لإنتمائه العقائدي و المذهبي السني الإخوانجي ،إضافة إلى أن هذا التصريح لا يخلو أبدا من نبرة إيرانية باركت العدوان التركي على الشعب الكوردي في عفرين ،مسألة “حماس” ليست مسألة تحرر و مشروع قومي بل عمالة و إسترزاق و لعب الأدوار في الأفلام التي يدفع مخرجها أكثر ،هذا ما تفتقره الحركة التحررية الكوردية للعب على كل الأوتار ،زيادة إلى نهج الخيانة و المكر و الترهيب من أجل ان يكون لها شأن كحركة حماس الإرهابية الكرتونية ،والتي لا تملك ولو جزء بسيط مما تملكه الحركة التحررية الكوردية تاريخيا و سياسيا و نضاليا.
يتسأل البعض لماذا السيد “مشعل” أشاد بالإنتصار التركي في عفرين حسب قوله ،علما أنه مدعوم إيرانيا دون أن يعطي اي إهتمام لحساسية الصراع الطائفي بين إيران و تركيا التي يوافقها من حيث المبدأ ،ومدى ردة فعل إيران من ذلك؟! ،الجواب أن كل من إيران وتركيا كانت على إتفاق مسبق بما يجري في عفرين ،زيادة إلى حقيقة تاريخية راسخة أن تركيا و إيران في عداء تاريخي قومي خالص مع إسرائيل ،آخرها تصريحات “اردوغان” النارية للرئيس “نتنياهو” على الرغم من المبادلات التجارية و الإقتصادية بين البلدين ،ما يجب فهمه من طرف الشعب الكوردي من المعادلة المطروحة إستخلاص نقطة مهمة منها ،هي سواء كان التنظيم صغيرا او كبيرا فإنه لا يرى في الشعب الكوردي سوى مصالحه الشخصية ،لهذا تبخرت أرواح شهداء الكورد لفلسطين أمام مصلحة قادة الحركة الفلسطينية.
أيها الكوردي!! إن القضية الفلسطينية ليست قضيتك و ليست قضية وطنية ثانية لك ،كل ماحدث في حقبة تاريخ “صلاح الدين الأيوبي” كان خطأ و جريمة في حق البشرية و الصليبيين و لا يمت الكورد بذلك صلة ،لم يجني الكورد شيئا من فلسطين ولو كلمة طيبة ،علما ان قوات “حماس” العسكرية بدورها كانت تحارب الكورد في سوريا ،وقبلها كان الشباب الفلسطيني يحارب الكورد في عهد “صدام” بالعراق ،زيادة إلى تورط طيارين فلسطينيين في قصف “حلبجة” بالكيماوي السام المحرم دوليا و اخلاقيا.
على الكورد ألا يكونوا فلسطينيين أكثر من حركة “فتح” التي إعترفت بإسرائيل ككيان في مؤتمر “أوسلو” بقيادة “ياسر عرفات” ،والتي أقرت بطلب التعايش الثنائي بين الطرفين لأسباب عدة ،أهمها أنها تأكدت بأن القضية الفلسطينية بيعت في المزاد العالمي من طرف العرب في الغرف المظلمة ،وأن تحقيق دولة فلسطين حلم مستحيل ،لذا لجأت إلى حقن الدم الفلسطيني كأكبر إنجاز إنساني لها ،صراع حركة “حماس” صراع إقتصادي لأطراف برجوازية شخصية و حروبها مجانية و قاحلة بالنسبة للشعب الفلسطيني المسكين ،بل إن كل ما يروجه قادة “حماس” زيف و وهم ،فقط تتخد شباب فلسطين دروعا و أجندة لمصالح أشخاص أغلبيتهم لم تطأ أقدامهم أرض فلسطين و لا حتى هم بفلسطينيين.
الشعب الكوردي لا يحتاج للقضية الفلسطينية إن كان يريد فهم الواقع ،فالحقيقة أمام أعينه يكفي فقط ان يتمعن من خلال تجارب بعض التنظيمات الكوردية التي لا تختلف أبدا عن خفايا نوايا حركة “حماس” الفلسطينية بحق الشعب و الوطن ،لهذا يفترض على الكورد أن لا يغوصوا في مستنقع التاريخ الخاطئ الذي غاص فيه مسبقا أجدادهم بخصوص فلسطين و القدس و ما شابه ،على الرغم من أن القضية تبقى إبنة التاريخ إلا أنها تتطلب من الشعب و القادة ان يتعاملوا معها و بها كإبنة المرحلة القائمة و اللحظة ،فالإعتراف السياسي بالآخر يستوجب ان يكون متبادلا بشكل ثنائي ،ويتم إنكار الآخر في اي لحظة تم نكرانك من طرفه ،بهكذا تمشي الأمور بالتوازي و التساوي دون إفراط و تفريط.
ما تعرض له الشعب الفلسطيني لا يعادل نقطة ماء في بحر ما تعرض له الكورد من ويلات منذ بزوغ التاريخ إلى الآن ،مع العلم ان الكورد لم يجدوا أحدا يأويهم و لا قدم لهم اللجوء و لا مساعدات إنسانية ،بينما الفلسطينيون مجنسون في أمريكا و بريطانيا و فرنسا و الدول العربية ،كما أتحدى ان يعطيني أحد دولة قدمت للكورد طلب اللجوء أو مساعدة ،إذ لم يجد الكورد سوى الكهوف و التهريب و المقاومة ،حتى من إسرائيل التي كسر العرب بها رؤوس الكورد لم تكن أبدا يوما بموقف إنساني مشرف في حق الكورد ،على الرغم من تاريخ الكورد الكريم و الوفير في حق اليهود.
كل ما يحتاجه الشعب الكوردي هو ان يتضامن مع نفسه و لا يوجد شعب أولى بتضامنه سواه ،لأنه عاش و مازال يعيش الأسوأ ،ليس فقط من نظام او شعب ،بل أنظمة و شعوب أو الأحرى من العالم كله”.
الكاتب الامازيغي : يوسف بويحيى
هذا المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له علاقة بوجهة نظر الموقع الاعلامي للمجلس الوطني الكوردي
التعليقات مغلقة.