المجلس الوطني الكوردي في سوريا

عبدالرحمن حمه: عفرين..وماذا بعد!؟.

184

إن ما آلت إليه الأوضاع في عفرين الكوردستانية من قتل وتهجير ونزوح وتدمير البنية التحتية انتهاءً باحتلالها من قبل القوات العسكرية التركية وحلفائها ممن يسمون ب(الجيش الوطني السوري) والتي أدمت قلوب ملايين الكورد في جميع أصقاع العالم لم يكن مفاجئاً لكل متابعٍ للوضع.. بل كانت كل المؤشرات ومنذ أكثر من سنة تدل على أن هذا السيناريو بات مرسوماً على المستويين الإقليمي والدولي.

وما التصريحات التي كانت تصدر بين حين وآخر من مسؤولين أمريكيين بارزين ( وكان آخرها تصريح روبرت فورد السفير الأمريكي خلال لقائه مع صحيفة الشرق الأوسط 19 حزيران /2017) تؤكد بأن الأمور سوف تسير بهذا المنحى الخطير.
إلا أن القائمين على الإدارة الذاتية المتمثلة بحزب الPYD ومجموعة من الأحزاب المتحالفة معه تعمدوا عدم إيلاء الاهتمام للتهديدات التركية وغضوا النظر عنها، بل أصرت على السير قُدماً في مشاريعها الطوباوية والتفرد بقرار الحرب والسلم وقمع كل القوى السياسية والفعاليات المدنية والثقافية التي تعارض سياساتِها ولم تولي أي اهتمام للنداءات والدعوات التي أطلقها الكثيرون من الغيورين على مصلحة الشعب الكوردي في كوردستان سوريا ( روجآفاي كوردستان ) وضربوا بها عرض الحائط.
لابد مِن تحديد مَن يتحمل مسؤولية صرخات وآهات أطفال وشيوخ ونساء عفرين، ولابد من تحديد مواضع الخلل لتجنب تكرار هذه المأساة في مناطق أخرى من كوردستان روجآفا.
ومما لاشك فيه أن الPYD والأحزاب المرتبطة به يتحملون القسط الأكبر من المسؤولية إن لم نقل كُلها، لأنهم لم يتبنوا يوماً في مشاريعهم السياسية مايُشير لكونهم يُمثلون التطلعات القومية للشعب الكوردي في كوردستان سوريا، بل أصروا دائماً على أنهم جزء من حزب العمال الكردستاني المصنف كتنظيم إرهابي في قوائم الكثير من الدول الأوروبية والغربية.
وبالرغم من التضحيات الجسام التي قدمها أبناء عفرين وبقية المناطق الكوردية في سوريا وتسطيرهم لأروع ملاحم الشجاعة والإيمان بعدالة قضيتهم، وكذلك الاحتجاجات والاعتصامات التي قامت بها الجالية الكوردية في كافة أماكن تواجدها في جميع أنحاء العالم، إلا أن كل هذا لم تُمكنهم من كسب التعاطف المطلوب من هذه الدول لأن تركيا تمكنت من إقناع الدول الأوربية والغربية على أنها تقوم بالحماية الشرعية لأمن حدودها بمحاربة الإرهاب المتمثل بمنظومة الPKK، وباعتبار أن شعوب هذه الدول «وطبقاً لدساتيرها وقوانينها» مقتنعة بأن منظومة الPKK هي منظومة إرهابية مثلها مثل ( القاعدة، داعش، النصرة…) وبناءً على ذلك يجب على كافة أبناء الشعب الكوردي وخاصةً المؤيدين والمؤازرين لPYD أن يعوا هذه الحقيقة جيداً وأن يعلموا بأن هذا الحزب بايدولوجيته وممارساته أصبح عبئاً ثقيلاً على كاهل الشعب الكوردي ليس في سوريا فحسب بل في باقي أجزاء كوردستان الأخرى وأصبح ورقة رابحة بيد الدول الغاصبة لكوردستان لتبرير شن هجماتها على هذا الشعب المسالم متى شاءت.
ومن هذا المنطلق يجب على القيادات السياسية والعسكرية الكوردية السورية في PYD والغيورة على مصلحة الشعب الكوردي اتخاذ القرار وبأسرع وقت للمبادرة بالتخلي عن القيادات القنديلية وتحمل مسؤولياتهم القومية التاريخية إزاء مستقبل ومصير الشعب الكوردي في سوريا، والعودة الى الحاضنة الكوردية ولملمة الصفوف وإنقاذ مايمكن إنقاذه.. لأن الحملة لن تتوقف عند عفرين بل قد تتعداها لتصل الى الحدود العراقية وفقاً لتصريحات اردوغان شخصياً ” بأن العملية العسكرية التركية لن تتوقف إلا عند وصولها إلى الحدود العراقية “.
إضافةً إلى ذلك فإنه لايمكن أيضاً إنكار أن جزء من المسؤولية يتحملها المجلس الوطني الكوردي ENKS والأطر المنضوية تحت لوائه والتي تمثل شريحة واسعة من أبناء الشعب الكوردي في سوريا، فمنذ تأسيس هذا المجلس وحتى الآن.. أثبتت قيادات أحزاب المجلس بأنهم أقزام أمام هذه التحولات الكبيرة التي تعصف بالمنطقة، فكان من السهل عليهم التهرب من المسؤولية التي تقع على عاتقهم بإلقاء اللوم على PYD وممارساته من قمع واستبداد و و…، متناسين بأنه ومنذ مايقارب ال5 سنوات كانت الأغلبية الساحقة من الشعب الكوردي بجميع فئاته كانوا مؤيدين للمجلس الوطني ومناصرين له.
إلا أنهم وبكل أسف انشغلوا بالتنافس على المكاسب والمصالح الشخصية والحزبية الضيقة وابتعدوا عن المهام الأساسية المخولة إليهم، وبذلك تحول المجلس إلى كتلة من المتناقضات سواءً بين أحزاب المجلس ككل او داخل الحزب الواحد، ويوماً بعد يوم قلت شعبيته وافتقد قوته وخسر عملياً كل شيء على الأرض إلى أن أصبح لاحول له ولا قوة.
ولذا لابد أن يتم وبشكل جدي ومسؤول إعادة النظر في مجمل سياساته وخططه ومحاولة رص صفوفه وإعادة ثقة الجماهير به والتخلص من الفردية والأنانية الشخصية والحزبية والعمل بروح الفريق الواحد لتجنب كوارث ونكسات أخرى كنكسة عفرين، وتجنيب شعبنا الكوردي في سوريا المزيد من الخسائر والآلام.

المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له علاقة بوجهة نظر الموقع

التعليقات مغلقة.