عفرين تحت النار …الجزء الثاني عشر
ذكرت في مقال سابق ان امريكا في إدارة ترامب تراجعت هيبتها و مهددة بالخروج الصفري من المعادلة السورية بينما المعادلة العراقية خرجت منها بشكل شبه كلي ،علما أن الإدارة الأمريكية أخطأت كثيرا في عدة قراءات مصيرية لمشروعها و وجودها كقوة عالمية مهيمنة ،خصوصا منطقة الشرق الأوسط بعد تخليها عن الكورد و عدم دعمهم كحليف سياسي و عسكري وليس فقط جنود حرب ،لأن الكورد تاريخيا من لهم الفضل في التوغل الأمريكي في معادلة المنطقة ،فيما كانت قبلا تحت إحتكار سلطة بريطانيا و فرنسا بالدرجة الأولى.
هذه الاخطاء سببت قلقا و شرخا كبيرا في الداخل الامريكي خصوصا بعد سقوط كركوك و إلتفاف العبادي بإيران و بريطانيا ضاربا امريكا بعرض الحائط ،حيث هذا الغضب ادى إلى المطالبة أنذاك بتغيير بعض رجال الدولة كان أولهم تريلسون و ماكغورك بسبب ضعف قراءة الخارجية الأمريكية للوضع ،حيث بالضبط هذا ما نراه اليوم بخصوص إقالة تريلسون ،إقالة حتمية نتيجة إرتكاب أخطاء متكررة مصيرية ،آخرها قضية عفرين و الإجتياح التركي و إلتفاف الأتراك إلى الروس عوض الأمريكان.
حيث كل القوى الأمريكية المعارضة طالبت التمسك بالكورد مهما كان الأمر لكن إدارة ترامب و نزعته المادية المفرطة أدت به لإختيار الحلفاء الأغنياء على الكورد (العراق،تركيا) ،خطوات أدت امريكا إلى خسارة سمعة عظمتها عالميا في أكثر من مقارعة بين اقطاب العالم الروس و الصين (سوريا مثلا) ،زيادة إلى تخليها على حليف كان بإمكانها أن تربح كل شيء بالكورد كورقة ضغط قوية في موضع قوة قبل أحداث كركوك على العراق و إيران ،لكن إدارة ترامب كانت غبية بهذا التعبير.
صحيح أن أمريكا كان بإمكانها وقف الإستفتاء لكن عند قراءتي نص رسالة تريلسون للرئيس مسعود بارزاني إستنتجت من خلال أسلوبه المرن بأنهم مع الإستفتاء لإحداث النزاع الكوردي العراقي ،كانت أمريكا تريد اللعب على وتر الحياد بين العراق و كوردستان قصد المزيد من الإنتعاش و الوساطة ،لكن بعد تصريح تريلسون الرافض لنتائج الإستفتاء بمؤتمر رسمي مصور إنقلب كل شيء على أمريكا إنطلاقا من هذه النقطة ،وليت تريلسون لم يفعل.
بعد تصريح الخارجية الأمريكية جعل العراق تتمادى أكثر بدعم إيران في التخطيط جديا في الهجوم على كوردستان ،أمريكا ظنت أن موافقتها للحكومة العراقية على الهجوم طعم لإصطيادها كحليف ،لم تكن تظن أن العبادي سيتشبث بإيران بعد إحتلال كركوك ،حصدت امريكا الريح بعد ان خسارة علاقتها مع العراق و الإقليم المستاء جديا من امريكا لعقود من الزمن.
الشيء نفسه يحدث في سوريا و بتحالف ضخم ضد امريكا ،تحالف مكون من النظام و الروس و الصين و إيران و تركيا على الرغم من إختلاف الرؤى التركية و الإيرانية ،جعلت امريكا مهددة بالخروج من المعادلة خصوصا بعد تخليها عن الكورد فقدت نجاعتها في مجاراة تحالفات جد قوية و صاعدة (كوريا الشمالية و الصين و اليابان و الهند…) زيادة إلى الروس بالأخص عسكريا في سوريا ،مؤشرات يمكن إستخلاصها من جرأة إستفزاز و تحرش الحشد الشعبي بالقوات الأمريكية في كركوك ،ما يوضح أن أمريكا في حقبة بوش إلى اوباما لم تعش ابدا هذه النكسات كالتي على يد ترامب حاليا.
الإدارة الأمريكية لم تتعلم من قضية كركوك التي كادت ان تؤدي بمصير “ترامب” في الداخل الكوردي بعد أن اعرب البنتاغون على ضرورة المواصلة مع الكورد ،تلتها نفس القراءة الخاطئة للخارجية الأمريكية في قضية عفرين ،إنتهت بنفس نتيجة كركوك علما ان تخلي الأمريكان عن الكورد كان القصد منه كسب تركيا لكن الأخيرة إختارت الحلف الروسي الصيني الياباني الإيراني ،نتج عن ذلك غضب شديد بين الإدارات الأمريكية زيادة إلى المعارضين السياسيين إستوجب على الإدارة الأمريكية القيام بتغييرات عملية كإقالة وزير الخارجية زيادة إلى التفكير بجدية في تغيير أسلوبها و تكتيكها و الدخول بوجه مكشوف بكل جدي في المعادلة السورية ،مما طرح الأمر على مصرعيه بأن هناك مفاجآت لابد لها ان تحدث بعد ان خسرت امريكا حلفائها الأثرياء ولم يبقى في جعبتها سوى الكورد الفقراء.
عودة أمريكا بإستئناف مشاريعها في كوردستان باشور كانت أول مؤشر للبعادي هذا الأخير الذي علم بإقالة الوزير تريلسون قبلا ،من خلالها لجأ إلى المرونة و مبادرته بفتح المطارات و دفع الرواتب بضغط امريكي جاد ،زيادة إلى تفكير الأمريكان جديا في تحويل قاعدتهم “أنجليك” من تركيا ،بمعنى بدء أمريكا بشكل جاد قصد إنقاد ماء وجهها أمام العالم في ظل تلاعب العراق و تركيا لصالح الروس و الصين…
كان لألمانيا دور كبير في إبقاء و إنجاح تماسك إقليم كوردستان بعد الخيانة بدعمها للبيشمركة ضد الحشد عسكريا و للحكومة الكوردستانية سياسيا ،بعدها كان دور فرنسا إيجابيا في الأمر بالضغط على حكومة العراق للحوار و المطالبة بحل المشاكل العالقة ،بينما بريطانيا كانت و مازالت أكبر عدو للإقليم في الإستفتاء و بعده إلى الآن ،أمريكا خسرت معركة العراق بفعل تخاذلاتها التي لم تكن مدروسة هذه المرة ،بينما الآن مهددة بالخروج من معركة سوريا بشكل أو بآخر ما يتطلب نزالات عسكرية للي الأدرع لإثبات الذات.
إن جمود تركيا في عفرين بعد يومين و سماحها للكورد النازحين لمناطقهم من ورائه ضغوطات جادة شديدة اللهجة ،أولها كان موقف الرئيس السابق الفرنسي “هولاند” من الهجوم التركي و ضغطه على حكومة “ماكرون” بالمطالبة لإعطاء موقف جاد و إنساني في الهجوم التركي ،مع العلم أن هناك مستجدات بأن وفد فرنسي سيقوم بزيارة عفرين بشأن ذلك ،جمود مرفوق بإستقالة وزير الخارجية الأمريكية أكيد سيغير موفق مغازلة تركيا إلى موقف عملي معاد ،”اردوغان” تم إصطياده حيا في مستنقع “عفرين” من طرف فرنسا و الآن أمريكا دخلت على الخط بسبب تقلبات و تغيرات كل التوقعات التي رسمتها إدارة “ترامب” قبلا.
قضية عفرين الآن دخلت في منعطف آخر ساخن شعاره الوجود أو اللاوجود ،لهذا فكل الأقطاب تسعى لتعزيز وجودها بعد أن إنكشفت لعبة كل اللاعبين على حدى ،لهذا فعفرين لم تسقط بعد رغم تخاذل الكورد أنفسهم عليها ،الأيام المقبلة ستحمل أحداث جديدة إيجابية بخصوص عفرين.
الكاتب الامازيغي : يوسف بويحيى
التعليقات مغلقة.