المجلس الوطني الكوردي في سوريا

خالد إبراهيم: عفرين وحياة…

117

أبحث في كلّ ما لم يحدث ويحدثُ عادةً، يلفني هذا المساءُ حول خاصرته مثلَ ظلٍّ وحزامٍ، لعلّني أقطعُ الطريق عَجولاً إلى ذلك الحدث الذي لم يحدث وربّما سيحدثُ: لقياكِ.
لقياكِ هذا المساءُ انتصارٌ، ولكن لم يحدث، ماذا لو حدثَ!. لا أنت تشبهين هناك ولا أنا أشبه هنا، لا نشبهُ الأشياءَ ولا تشبهنا، مداخلُ المدن، المعادلاتُ الصعبةُ، واقع الحال، الأحزابُ في الضياعِ، الكوردُ المنوهوبون في الخرائط. سيكرهني الكثيرون، سيتكلمونَ عني وعنكِ، سيمزقون خيوطَ الأمل عبثاً، هم مارقون، سينصبونَ المدافع والمكائد لنكونَ رهنَ الفخاخِ المقيتةِ، سيسوغونَ الحروبَ الطاحنةَ، ربما كما التي تُدار في أرجاءِ سوريانا وحولها. معتوهونَ وأصنامٌ وتجارُ حروبٍ وبائعو أحلام، لا يعلمونَ أننا اخترقنا الكهرباء وكاميرات المراقبة ونحن من فخخّنا الينابيع، لتنفجر بوجهِ صحرائِي،ا لكي نجعلَ رمالَ أرواحِنا ربيعاً قادماً، دائماً ولو بعد حين.
لا أستطيع إلا أن أكتبَ عنكِ، وهذه حيلتي الوحيدة في الحياة ياحياة!
في هذه المدينة المائلة للاختناق والمعبئةِ بالنازيين الألمان والعرب الكفار والكورد العنصريين رأيتكِ ذات صباح تنهضين من بين أضلعي ترسمين كوردستان، خارطةَ كركوك، وجعَ عفرين، صراخَ الغوطة ونواحَ الشام.
البارحةَ كنتِ هنا واليومَ أنا هناكَ، تاركاً خلفي أصواتَ الرصاصِ وأمنياتِ الفقراء واليتامى، حزنَ أبي وبكاءَ أمي منذ آخر يومٍ ودعتُها وخناجرُ السنينِ المصقولةُ بأسنانِ التيهِ والضياعِ والفشلِ تنغرزُ في روحي.
ثيابي وأظافري ورائحةُ نهديكِ وحذاؤكِ ذي اللون البني المحروقِ وأشياءٌ تشبهُ ضياعي الذي لا حدودَ له سوى حفنة من التراب الأحمرِ وبعضٍ من أعوادِ الثقاب وشجرةٍ تصرخُ أغصانها بين جدرانِ الرياحِ ومرارةِ العتمةِ.
لا أستطيعُ أن أتخيلَ يومي دون لقياكِ، دونَ المرورِ والغطسِ في لمعة عينيكِ وبريقهما، في هذه الليلة سأذهبُ إلى الضفةِ الأخرى من هذا العالم، من هذا الألمِ، أريدُ أن أتعلمَ وأرى كيف كان لونُ النهار وكيف كان طعمُ الماءِ وملمسِ العشبِ والملحِ والغموضِ، وكيف كانت عيناكِ تتراقصانِ فرحاً لحظةَ احتضانِنا الأخيرِ، لحظةَ موتنِا الذي نشتهي!.

التعليقات مغلقة.