المجلس الوطني الكوردي في سوريا

وليد حاج عبدالقادر: أقلمة الشمال السوري .. الركيزة والمآلات…

115

غالبا لا يكون استحضار التاريخ ترفا ، بقدر ما هي متواليات لأحداث تتكرر في ذات الدوامة فتفشي وكإبتكار ربما لتكرارية الأحداث وكأن أيادي خفية تعيد برمجة الإحداثيات بشكل تبدو فيها كثير من العوامل – إن من مسببات او نتائج – تتقونن من جديد لإعادة انتاج ذاتها وبنتائجها . ومن هنا فأن حركة التاريخ وتعليل نتائجها ، وطبيعي هنا أننا نعني دوامة المسألة الشرقية التي هي أصلا محملة بجينات متحركة تتجدد ضمن نطاقية جغرافيتها الواسعة وكتأكيد لما تعنيه هذه المسألة منذ تحولها الى أزمة ، ومع بدايات تشكل خرائطها المحوطة كانت ولم تزل لشعوب وملل تمأسست لهم جبرا وقائع زادت في تراكم البينيات وبأطر لامست الشكل دون الركيزة الواهنة كانت تحت ضغط أزماتها أصلا ، وباختصار ، يمكننا ملاحظة آفاق لإعادة أشكلة جديدة بمثبتات بالغة الدقة تتحكم بذات الجغرافيا بشفط للتراكمات البينية الحادة ، ووضع أسس جديدة للخرائط التي لابد لها من لصق ونسخ وإعادة قطع الأوصال وفكفكتها ومن جديد ترتيب آليات الضم والإلحاق لأجزاء قد تختلف في بنية التركيب المستجد . وفي عودة سريعة للمسألتين العراقية والسورية وكعنوان بارز للركيزة المؤقتة في عمق المسألة الشرقية حيث كانتا نتاجا من إفرازاتها منذ الحرب الكونية الأولى ، وفي مراجعة مفردات عصبة الأمم وتشكلات الدول واستبيان خطوط خرائط سايكس بيكو من جهة ، وتتبع خطوط الحدود الأساسية التي ارتسمت وفق رسالة مكماهون الأخيرة للشريف حسين بن علي قائد الثورة العربية الكبرى ، وما تلاها خاصة بعد وصول الجنرال الفرنسي غورو الى دمشق سنة ١٩٢٠ وتحول شكل الصراع بالتوازي مع استقرار خط الحدود تركيا / عربيا في شمالي بغداد وجنوبي ولاية الموصل ، فكانت المملكة العراقية ( ولايتي البصرة وبغداد ) التي ملكت للأمير فيصل بعد طرده من سوريا ، ومنها تحولت شمالا والى الشمال الغربي حيث حدود سوريا التي خضعت بموجب سايكس بيكو بدورها لعمليات شد وجذب أفرزت المئات من الاتفاقات والمعاهدات بين سلطة الإنتداب الفرنسية نيابة عن سوريا مع الدولة التركية ورسمت عدة خرائط متحولة كانت تتمدد جنوبا لصالح تركيا وليلحق مساحات شاسعة من كوردستان سوريا اليها ، ومع استلام فرنسا لملف سوريا الكبيرة / المؤلفة من الشام وصولا الى غزة / وبالتنسيق مع بريطانيا سعتا الى تنفيذ وعد بلفور لليهود فرسموا ملامح الدول التي هي في الطوق الجنوبي الغربي ، ومن خلالها وبالترافق مع تشديد فرنسا لقبضتها على سوريا بدأت تكشف عن تصوراتها وخططها التي شملت تشكيل / تقسيم سوريا الى دويلات ( دولة العلويين في الساحل والدروز في الجنوب الغربي ودولة الشام ودولة حلب ) واقترحت دولة ديرالزور او شرقي الفرات والتي منها ظهرت مفهوم / مصطلح شرقي الفرات وغربيها ولكن ديرالزور ومعها عانا رغبتا الحاقهما بالمملكة العراقية ومع طرح تشكيل دولة الفرات ارادت سلطة الإنتداب الفرنسي الإستئناس برأي وجهاء المنطقة الكوردية والذين وجهوا مذكرة بإسم ١٠١ من الوجهاء ورجال الدين الإسلامي والمسيحي برئاسة حاجو آغا طالبوا فيها بالإنضمام الى الدولة المتشكلة شريطة منحهم الحكم الذاتي وتمت رفضها ، وفي العودة الى سوريا سايكس بيكو وملمح الإنتداب الفرنسي وعلى الرغم من السنوات العديدة التي مرت على الإستقلال وتتالي أنظمة حكم عديدة ، إلا أنه ومنذ سيطرة البعث العروبي الذي سعى جاهدا ومن خلال التقسيمات الإدارية ان يحاول كسر بعض من الثوابت ولكنها فشلت وانساحت معها في الأيام الأولى من الثورة السورية حيث عادت المناطقيات ومعها فرز الهويات المتعددة اثنيا ومذهبيا ، ومع احتدام دوامة العنف وتعدد الرايات وفي تتبع لرحلة الإستنزاف والإجهاد التي مورست على كامل الساحة السورية ، اتضحت ملامح التموضع بدءا من الجنوب الغربي مرورا الى المناطق الكوردية في الشمال والشمال الشرقي منه والغربي ومنها جاءت مفردة شرقي الفرات كماركة فرنسية واضحة أنها لاتزال تعتبر ذاتها ، لابل وينظر اليها كالوصية على سوريا كما بريطانيا على العراق ، ومع مرحلة مابعد القضاء على داعش انكشف النقاب أكثر عن مظاهر أخذت تبرز وبعناوين واضحة من خلال الدول الكبرى المنخرطة فيها مثل امريكا وبريطانيا وفرنسا التي كان وفد لها قد أجرى قبل أيام / بحسب مصادر اعلامية كوردية / محادثات في قامشلو مع ممثلي الإدارة الذاتية حول ملامح المشروع بالكامل والذي يقضي بإنشاء منطقة ادارة ذاتية تشمل مناطق الشمال السوري / باستثناء عفرين / تدار من قبل مكونات المنطقة يترأسها مسيحي وتكون أنموذجا لسوريا المستقبل ، وتوفر لها كامل سبل الإستمراية والتقدم والبدء الفوري بمرحلة الإعمار ، ومن الطبيعي ولبيان الجدية وتوفير اوسع بيئة للتشارك والنجاح ، كان لابد من السعي الى توفير اجواء مصالحات بينية للمكونات ككل او ضمن نطاقية الهوية الواحدة ، ولعل أكبر العوائق هي ذلك الخلاف الكبير بين / تف دم / حزب الإتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكوردي ، وعلى هذا الأساس يستحضر كثيرون المصالحة التاريخية التي قامت بها مادلين اولبرايت وزيرة خارجية امريكا بين الرئيس مسعود بارزاني والراحل مام جلال ، وعلى هذا الأساس يسود الشارع الكوردي تفاؤل من الدعوات الموجهة للمجلس الوطني الكوردي الذي سيلبي وفد منها زيارات الى كل من امريكا وفرنسا وبريطانيا ، تلك المصالحة إنوتمت ستعزز بالتأكيد وتزيد من زخم نجاح المشروع المزعوم سيما أن ملامح الخريطة الجغرافية الموصوفة تشمل شرقي الفرات بدءا من منبج غربا ولتصل الى ديريك حيث تتبع نهر دجلة الى الحدود السورية العراقية و تتقاطع مع حوض الخابور الى ضفة نهر الفرات الشرقية و .. في محاكاة حقيقية لخطة فرنسا الدولة المنتدبة وخارطة تقسيمها منذ ما يقارب القرن من الزمان.

المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له علاقة بوجهة نظر الموقع

التعليقات مغلقة.