تبتكر الحكومة العراقية أساليب متعددة ووسائل غريبة لمحاربة الأمة الكردية. تارة تقطع عن حكومة إقليم كردستان السيولة النقدية، وتارة ثانية تدعو دول العالم إلى عدم تسليحها، وتارة ثالثة تعرقل قضية الموازنة كي لا يحصل الأكراد على حصتهم منها، ومرة أخرى تصنع من بين هوامش المباحثات والمفاوضات مشكلات لا حصر لها حول النفط.
اليوم تستعمل الحكومة «الحشد الشعبي» وسيلة لمحاربة طموحات الشعب الكردي، فـ «الحشد» هو مجرد تسمية وهمية لمجموعة ميليشيات تتكون من فصائل مختلفة ومتنوعة من التيارات والأحزاب التي ظهرت بفعل موجة الطائفية التي اجتاحت العراق، ومنذ نشوء هذا التشكيل الميليشيوي واجه كثيراً من الاتهامات، من تصفية عرقية طائفية إلى عمليات إعدام ممنهجة وتهجير فئة على حساب أخرى، حيث يدور كل هذا في فلك الدستور، وفق ما يصرّح به المسؤولون العراقيون. فما يسمى «جيش العراق» انهار مع اجتياح «داعش» الموصل، وقبله كان يطلق صرخات النجدة في صحراء الأنبار، ما دفع الفصائل والتيارات الشيعية التي تحكم المنطقة الخضراء إلى تشكيل ما يسمى «الحشد الشعبي» لسببين: أولهما معلن أمام الملأ وهو محاربة الإرهاب و «داعش»، والثاني غير معلن وهو تحطيم أسس الدولة الكردية ودعائمها. وخير دليل على ذلك أن طلائع هذه القوات اللامنظمة فكرياً وعسكرياً واللامنتمية إلى مظلة فسيفساء المجتمع العراقي بكل طوائفه وأعراقه وقومياته، تتقدم نحو حدود إقليم كردستان بحجة محاربتها «داعش» وواصلت زحفها إلى كركوك قلب كردستان.
هنا، لا تعود القضية تحتاج إلى خبراء ومحللين سياسيين، فجوهرها واضح هو احتلال كركوك وزعزعة استقرار مكوناتها التاريخية، وبالتالي كسر طوق حدود إقليم كردستان ووقف عجلة النهضة الكردية من أجل تأسيس دولة مستقلة. فإذا كان «داعش» يشكل خطراً كبيراً يهدد البشرية، فإن «الحشد الشعبي» هو خطر كبير أيضاً، لكن ضمن حدود معينة لا تتجاوز حدود العراق، لأن قضية التشيّع تبقى حاضرة في ما يسمى بالهلال الشيعي وما يخرج عن حدوده لا تأثير له. أما خطورة «داعش» فتكمن في كونها تهدّد العرق الإنساني من جذوره، بينما خطورة «الحشد الشعبي» نابعة من شيء واحد هو تحويل العراق إلى ولاية تابعة لطهران، وهذا غير مهم ولا يحظى بالاهتمام بالنسبة إلى القضية الكردية، فالعراق كان قبل الآن محطة لكل من هب ودب، وفي كل هذه الأحداث التي عاشها كان الأكراد الضحية الوحيدة، فكل من حكم العراق أراد النيل من فكر الشعب الكردي وتراثه وقوميته. اختلفوا بين بعضهم بعضاً لكنهم اتفقوا على إبادة الأكراد. لكن الواقع الآن مختلف لأن الأمة الكردية صامدة، بينما أعداؤها تغيروا. البارحة «داعش» واليوم «الحشد الشعبي»، «داعش» أصبح فعلاً ماضياً مبنياً على اللاشيء، وما بقي منه تتلاعب به قوات البيشمركة كبيادق الشطرنج. يبقى «الحشد الشعبي» هو الخطر القادم، فالعلاقة بين القومية الكردية والعربية ستبقى ضمن حدود معينة متعارف عليها دولياً، لكنهما لن يكونا في يوم من الأيام في خانة الصداقة. ربما يكونان جارَين إذا وصلت حكومة العراق إلى نتيجة حتمية مفادها الاعتراف بكل حقوق الشعب الكردي، وإلا فإن عقلية ساسة العراق ستبقى هي ذاتها وتهدف إلى إبادة الأكراد، وفي هذه الحال الحرب هي السبيل الوحيد لوضع حد لأحلام العراق الفاشية. حرب مقبلة بين جبهيتن: الأمة الكردية في جبهة الدفاع عن دولة كردستان، و «الحشد الشعبي» الذي يسعى إلى طمس هوية دولة الأكراد. لا فرق بين «داعش» و «الحشد الشعبي» فكلاهما ينتهج مبدأ فرّق تسد، يختلفان في المذهب والطائفة والعقيدة والنظام والحكم، لكنهما يلتقيان ضد الأكراد.
التعليقات مغلقة.