المجلس الوطني الكوردي في سوريا

رياح الساخطين لا تشتهيها سفن أصحاب العمائم في إيران..

125

يوسف حمك ..

القوة العظمى لأية دولةٍ تكمن في قوة اقتصادها ، و استثمار ثرواتها الباطنية و الخارجية . فتصديرها للإنفاق على مشاريع تنمويةٍ ، تدر ربحاً و نفعاً للدولة و الشعب معاً .
أما الإقدام على أية خطوةٍ تسير على غير هذا المنحى ، ستجلب الكوارث ، كما انهيار الدولة . مثلما جرى للاتحاد السوفياتي السابق ، حينما اتخذ الحزب الشيوعي السوفياتي قراراً عام 1953بإلغاء الخطة الخمسية الخاصة بالصناعات الخفيفة و الغذائية التي كانت تكفل الاستقرار الاقتصادي ، و تأمين العيش السليم على أكمل وجهٍ ، و استبدالها بالصناعات الثقيلة ( كالأسلحة ) . فزيادة نسبة حصة وزارة الدفاع ، و المعونات للأحزاب الشيوعية و اليسارية خارج البلاد .
و في هذا السياق رد مكنمارا رئيس صندوق النقد الدولي في الستينات على سؤالٍ وجه إليه : ( سنهزم الاتحاد السوفياتي في عقر دارها ) . أي استدراجها و تورطها في المشاكل الخارجية ( كتدخلها عسكرياً بجيشها الأحمر في إفغانستان لحماية النظام الشيوعي فيها ) . فكان أخذ نسبة من مخصصات التنمية الاقتصادية و القطاعات الانتاجية بإضافتها إلى حصة وزارة الدفاع . و كان ذلك من أهم أسباب انهيارها المروع ، إن لم يكن السبب الوحيد .

و حكام إيران مذ أن أطاحوا بنظام الشاه ، لم يهدأ لهم بالٌ ، و لم يغمض لهم عينٌ ‘إلا و حشروا أنوفهم في شؤون بلدان المنطقة ، يمدون أذرعهم بتصدير السلاح و المال و الفكر و العقيدة و الرجال ، لتثبيت أقدامهم ، و فرض النفوذ ، و ابتلاع كل شيءٍ .

تباروا مع الدول الكبرى في صناعة الأسلحة ، و المفاعل النووي ، و خاضوا سباقاً محموماً لالتهام دول المنطقة . فحققوا مآربهم في ( لبنان و سوريا و العراق و اليمن ) على نارٍ هادئةٍ ، و ضاقت دول الخليج بهم ذرعاً .
باتوا لاعبين محترفين على الحبال الدولية ، يفعلون الكثير بصمتٍ و بلا ضجيجٍ . فخير الكلام عندهم ما ندر . و كل ذلك بتصريف الأموال الطائلة و انفاقها على الحروب الخارجية و أذرعها العسكرية .

شحت البنوك من مدخراتها ، و واردات النفط تنفق خارجاً ، و الميزانية أوشكت تلامس الإفلاس ,
البطالة استفحلت ، و الغلاء الفاحش أثقل كاهل الشعب ، و حاصره الجوع و الفقر .
رغم أن إيران من كبريات الدول التي تصدر النفط و الغاز في العالم ، غير أن مواطنيها انتشروا في الشوارع يحتجون على ارتفاع أسعار رغيف الخبز – و على مبدأ تأتيك الكوارث و المصائب من حيث لا تدري – تفجرت تظاهراتٌ من مدينة مشهد ، فسرعان ما اتسعت رقعتها لتعم معظم المدن فتصل إلى قلب العاصمة طهران بكثافةٍ شديدةٍ .
المحتجون و الجياع هتفوا : ( الموت للدكتاتور – الناس يتسولون ، و رجال الدين يتصرفون كالآلهة …)
و طالت أياديهم لحرق صور ولي الفقيه .
شعاراتٌ رفعوها ضد الفساد و الركود الاقتصادي ، كما نددوا برعاية الحكومة للميليشيات الشيعية ، و احتضانها في الخارج ، و توجيه كل أنظارها إلى ما وراء حدودها ، بعد إهمالٍ مفرطٍ للشعب .

رغم أن القمع ليس حلاً ، و لا الاعتقال يجدي نفعاً ، و القتل يزيد الطين بلةً ، و لا يكثف سوى عدد الساخطين و الغاضبين .
لكن الرعب أرجف جوارح رجال الدين ، و الغضب أعمى أبصارهم ، فمارسوا العنف ضد الثائرين ، و وضعوا المئات خلف القضبان ، و تجاوز عدد قتلاهم عشرين من بينهم رجل أمنٍ أثناء هجوم الزاحفين على مخفر الشرطة . و الأنكى أنهم انهالوا عليهم شتى التهم بالعمالة ، و الارتزاق زوراً و بهتاناً ، كعادة كل الطغاة الذين تنتقد شعوبهم كل جرائمهم .
ليس من باب التشفي ، أو الكيدية و الكراهية ، نقف مع المحتجين و الساخطين المستضعفين المظلومين الذين مثلما حملوا أصحاب العمائم على أكتافهم ، و أوصلوهم إلى سدة الحكم ، كذلك هم القادرون على رميهم ، و جلب البديل للجلوس على كراسييهم . و بناء دولةٍ مدنيةٍ حرةٍ عادلةٍ ، تخلو من اللصوصية الدينية و الطائفية فتضمن حقوق الجميع .
أما و إن واظب الملتحون على نهجهم التقشفي بما لا يخدم الشعب ، و ثابروا لديمومة التدخل السافر في شؤون الدول الأخرى … حتى إن نجحوا في إخماد هذه الاحتجاجات و الانتفاضات هذه المرة فإن الشعب لا يستكين ، بل سيستأنف انتفاضاته مرةً أخرى ، و إنهم سيفشلون إلى حد إزالتهم . طبقاً للمثل القائل : ( ليس في كل مرةٍ تسلم الجرة ) .

التعليقات مغلقة.