يقول أبراهام لينكون: «تستطيع أن تخدع كلّ الناس بعض الوقت، أو بعض الناس كلّ الوقت.. ولكن لا تستطيع أن تخدع كلّ الناس كلّ الوقت».
مقولة للرئيس الأمريكي السادس عشر توقّفت أمامها كثيراً، لما لها من دلالات ومعاني عميقة، عانينا من آثارها في واقعنا وحياتنا، مع مَن يديرنا في الباطن ويحكمنا في الظاهر، فبالفعل قد يكتشف الإنسان فجأة وبالصدفة البحتة أنه كان المخدوع الوحيد، وكلّ السيناريوهات التي حُيكت ضدّه كانت بناء على خطة موضوعة بدقة وحرفية رهيبة، وهذا ما ينطبق على مَن يخدع الشعوب اليوم تحت شعارات حقّ تقرير المصير، أو محاربة الإرهاب، أو المقاومة والممانعة، أو التقسيم، أو المؤامرة.
كل سياسي هو سائح، وكل سائح هو صاحب مشروع، في جعبته مشاريعه ومشاريع أجنداته وحلفائه، فسوتشي تضمّ عدداً من المعالم السياحية، كحديقة نباتات سوتشي، وهي أكبر حديقة نباتات في روسيا بالمنطقة شبه الاستوائية، حيث تحتوي على أكثر من ألفي نوع من النباتات، جلبت من مختلف مناطق العالم، إضافة إلى المحمية الطبيعية لأدغال السدر الجبلي والطقسوس، وهي منطقة جبلية معزولة توجد فيها أشجار عاشت في العصر الجليدي، ومتحف يتحدّث عن حيوانات القوقاز.
إضافة إلى مكانة سوتشي السياحية والتاريخية، فهي أيضاً مدينة الصفقات والتسويات السياسية، حيث استقبل فيها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عدداً من كبار الرؤساء والمسؤولين، لمناقشة أزمات الشرق الأوسط، وفي مقدمتها الأزمة السورية، ومن بينهم وزير الخارجية السوري وليد المعلم في 2014، ورئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في 2017، والملك السعودي سلمان بن عبد العزيز في 2017 «أول زيارة لملك سعودي إلى روسيا»، ومؤخّراً في 22 نوفمبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والإيراني حسن روحاني.
إن أهمية مؤتمر سوتشي يكمن في تهميش وتفتيت المعارضة، وإعادة ترميم النظام السوري، وشرعنته، ومناقشة مشروع دستور سوري جديد سبق أن قدمته موسكو في يناير 2017، وضرورة تطبيع العلاقات بين النظام والمعارضة، وسط تحذير موسكو لفصائل المعارضة والقوى السياسية الرافضة لبقاء الأسد في السلطة من عدم الذهاب إلى روسيا، فكل مَن يريد أن يتحدّث بقوة في قاعة المؤتمر وخلف كواليسه عليه أن يكون قوياً على الأرض أولاً، إذ النظام قويّ في الخنادق، فيما المعارضة قوية في الفنادق، وهذه هي الحقيقة التي ستحسم نتائج سوتشي «الأسد كان خاسراً في جنيف، ولكنه سينتصر في سوتشي».
فيما فشل جنيف بهذا الشكل، وترحيل بعض ملفاته إلى سوتشي، الذي لا صفة شرعية دولية له «ما سبب الفتور الإقليمي والدولي في التعاطي مع سوتشي؟»، يُوضّحان أن كل القرارات الدولية والإقليمية الخاصة بسوريا لا قيمة أو أهمية لها، ويمكن التخلّي عنها إن رضيت المعارضة أو جهات سورية كثيرة معارضة، فبذهابها إلى سوتشي تكون قد رفعت من دوره السياسي وشرعنته الدولية، وقد تتحوّل مقرراته العلنية والسرّية إلى وثيقة ثابتة يتم اعتمادها لاحقاً في مجلس الأمن والأمم المتحدة، وهو ما ستعمل موسكو من أجله «الروس لا يمتلكون حلاً لسوريا، إلا احتلالها ونهبها».
الكورد منقسمون، وكل قسم يحارب الآخر، ويحاول انتزاع الشرعية منه، إلا أن الأمر المحيّر لدى المتابع، هو لماذا تحارب تركيا حزب الاتحاد الديمقراطي، في أيّ رغبة للأخيرة في حضور أيّ مؤتمر خاصّ بالأزمة السورية، في حين تلتزم الأولى الصمت حول مشاركة المجلس الوطني الكوردي في أيّ مؤتمر دولي وإقليمي، سواء بصفة مستقلة أو ككتلة داخل الائتلاف الوطني السوري؟ إذاً على المجلس الوطني الكوردي وحزب الاتحاد الديمقراطي أن يدركا حقيقة أنهما لن يحقّقا أيّ نجاح في غربي كوردستان ما لم يتحدا سياسياً وعسكرياً واجتماعياً «وهو بالأمر المُحال».
قبل الوصول إلى نتيجة المقال، يجدر بنا الإشارة إلى موضوع جوهري، هو أن حزب الاتحاد الديمقراطي أو المجلس الوطني الكوردي لو ثبّتا أيّة حقوق كوردية (حكم ذاتي أو فيدرالية) في المفاوضات الجارية واللاحقة والأخيرة تحت مظلة الأمم المتحدة، وبقرار معترف به محلياً وإقليمياً ودولياً، سواء في جنيف أو سوتشي أو آستانة، فسيبقى ذلك انجازاً سياسياً مهمّاً، أم لو خرجا منها خاسرين فاشلين، فسننتظر فرصة تاريخية أخرى، قد لا تتكرّر بعد قرن أو قرنين.
وتبقى النتيجة الراهنة أن في كل المؤتمرات الخاصة بالأزمة السورية الكورد لم يحقّقوا فيها أيّ أهداف ونتائج ملموسة وثابتة، ففي كل جولات جنيف وآستانة كان الكورد الورقة الأضعف، لخبث المعارضة السورية والإقليمية، وللتشتت الكوردي، وغياب وفد كوردي جامع، يمثل غربي كوردستان برمته، فروسيا التي اشتهرت بالفيتويات ودفاعها عن حليفتها سوريا هي الأقوى حتى الآن، فيما تركيا والسعودية وقطر ومعهم أمريكا والغرب تمسّكوا بالمعارضة السورية فقط للدفاع من خلالها عن مصالحهم ونفوذهم.
المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له علاقة بوجهة نظر الموقع
التعليقات مغلقة.