عندما تحدث الزلازل في کل مرة، فإن الأرض بإمکانها أن تبتلع البشر والمجتمعات الإنسانية وتتمکن أيضاً من أن تضعهم في مفترق التجربة والاختبار.
البشر بإمکانهم أن يستفيدوا من التجارب وأن لايذهبوا ضحايا للزلازل القادمة وذلك بوضع الأسس والمقومات للإنطلاق في طريق الرقي وتطور المجتمعات بإمتلاك مقومات مواجهة الکوارث الطبيعية وغيرها.
و في إيران التي تقع على خط الزلازل، فقد جرت خلال 40عاماً الماضية تجربة الابتلاع فقط، ذلك أن هناك نظام دكتاتوري وسفاك وبالتالي نستطيع القول أنه ليس فقط يسبب الابتلاع فحسب وإنما هو حائل لتجنب الابتلاع وخير دليل على هذه الحقيقة ما حدث في غرب إيران في محافظة كرمانشاه أخيراً الذي حدث يوم 12/ نوفمبر-تشرين الثاني، حيث ابتلع الزلزال منطقة واسعة وآلاف من الناس فضلاً على تسببه بقضاء نحب آلاف المواطنين من جراء العطش والجوع والتشريد وما شابه ذلك..
الحقيقة ومرة أخرى، فقد بكت الأرض وامتلأت السماء بالصرخات وحزن العالم إلى جانب أن هناك خفايا غير مكشوفة من هذه الكارثة الإنسانية ولم نعلم عنها شيئاً!
حيث أدمع هذا الحادث الأليم عيون السامعين والناظرين من كل فج عميق وكل الضمائر الحية وكل إنسان شريف كما تضايق كل من سمع أو قرأ عن تصرفات الملالي الحاکمين في إيران تجاه هذه القضية، وقد أغاظ ذلك كل ناظر أكثر من السامعين ولذلك فقد ضم صوته مع الشعب الإيراني وأيقن بأن هذا النظام يجب أن يرحل فإنه ليس من الشعب ولا للشعب .
كل من سمع أخبار الزلزال أو شاهد صور وأفلام تتعلق بذلك، إنتابه حزن عميق وإنحبست الدموع في مآقيه خصوصا وإن هناك الکثير من الاخبار والمشاهد المٶلمة جداً التي يحذر إعلام الملالي من نقلها، فإنه سيکون على إطلاع بشأن الأوضاع الوخيمة الشعب وإيران الرازحة تحت وطأة حکم الملالي وبالنسبة لما يجري لأهالي المناطق المنكوبة في كرمانشاه من المعاناة ولآلام حيث يعجز اللسان عن بيانه ووصفه، سيما عندما كان يتعرض الأهالي الناجون من الزلزال للموت بسبب البرد القارص أو تعرضهم لمهاجمة الذئاب الجائعة، خصوصاً عندما نشاهد بأن المنكوبين الذين نجوا بأعجوبة من الزلزال ولكنهم معرضون لهزات إرتدادية قد تخلف عدد کبيراً من الضحايا بينهم.
غير إننا لابد أن نلفت الانظار إلى أن هناك زلزال أكبر، وهو وجود نظام الملالي المتشدق بالدين والذي تستمر إرتداداته لحد الآن، حيث لا يمسي يوم في إيران إلا وينفذ أحكام الإعدام بحق أبناء هذا البلد بعد الاعتقال والتعذيب والسجن كما جرى بحق 120ألفا من خيرة أبناء أبناء الشعب من إعدام واغتيال وما شابه ذلك، حيث لا توجد عائلة في إيران قد نجت من ظلم وجور الملالي.
هذا النظام وبسبب من نهجه اللاوطني والمعادي للشعب، ولأنه جعل الحياة في ظله صعباً ومعقداً فقد ساهم بإيجاد الظواهر الاجتماعية السلبية نظير الفساد والفقر والعوز والبطالة والإدمان والعتالية مما يرغم على الناس أن يلجٶا إلى بيع أعضاء البدن و… حيث نستطيع القول أن الشعب الإيراني وخلال الحقبة المقيتة لهذه الدكتاتورية قد واجه أسوأ مرحلة تاريخية وللأسف البالغ فإن الذي ساعد ويساعد على بقاء هذا النظام على الحكم وإستمراره، ليس إلا اعتماد سياسات الاسرضاء من جانب الغرب تجاه هذا النظام.
فما بالك وفي ظل هذه الظروف عندما يحدث الزلزال فإن آلام الناس تتضاعف أكثر من أي وقت مضى سيما حين نضيف عليها فقد الاعزاء والأحبة وتدمير إمكانياتهم وعدم إمكانية إنقاذ ألأحياء تحت الأنقاض وشحة الماء والخبر والمأوى والملابس والأدوية .. ولكن ورغم عظمة هذه الآلام، فإن تعامل نظام الملالي وسلطاته تجاه الزلزال والمنكوبين لمن لايدري مصيبة، أما لمن يدري فإن فالمصيبة أعظم.
عندما نرى هناك من بقى تحت الأنقاض ولا يجدون من مغيثاً ليغيثهم فإن هذا الألم ينفذ في العظم حيث أمضوا الأهالي المنکوبين ساعات وأيام وهم محرومون من أبسط حاجات وإمكانيات الحياة ولا يجدون حيلة ولا يهتدون سبيلاً .
وعندما نرى ونسمع بأن مسٶولي هذا النظام ومن خلال صراع الاجنحة، ولغرض إنجاح أنفسهم عبر صناديق الانتخابات الصورية فإنهم يشيدون أبنية بواسطة شركة ” مهر“لکن الابنية المشيدة بواسطة هذه الشرکة وبسبب هشاشة الأساس فقد جعلوا من هذه الأبنية أشبه ماتکون بالمقابر حيث يقال بأنه قد بقي شخص واحد من ضمن ألف کانوا يسکنون هذه الأبنية على قيد الحياة ! فاعتبروا يا أولى الأبصار..
عندما نشاهد المشاهد والأصوات الحقيقية من المناطق المنكوبة حيث يقوم مسٶولوا النظام أمام الدمار بإلتقاط صور سلفي کما إنهم يتظاهرون أمام الكاميرات وكأنهم في حالة إغاثة الناس ومنهمكون في مساعدة المنكوبين .
من ضمن المشاهد التي تدين وتفضح النظام وکذب مزاعمه بإغاثة المناطق المنکوبة، فإن رجل من قرية ” علي آباد “ هتف قائلا : « على عکس تصريحات وسائل الإعلام بحضور الجيش والشرطة الاجتماعية للمساعدة، أنا أقول لكم هذا خطأ، لم تأت أي جهة الى هنا بتاتاً، الموت للجمهورية الإسلامية وفيلق القدس » . .. الصور والمشاهد الحقيقية التي لامجال لإنکارها هي تلك التي يعتدي فيها المسٶولون الحکوميون بالضرب على السکان المنکوبين ويهاجمونهم بالغازات المسيلة للدموع، أو يمنعون من إيصال المساعدات إلى المنكوبين مباشرة ويصادرون المساعدات ويسرقون أكبر جزء منها ومن ثم يوزعون المتبقية منها على المواطنين المنكوبين باسم مساعدات الحكومة مع التعامل السئ والمهين نظير رمي المواد بين الناس لأخذ المساعدات و…و نشاهد ضمن مسلسل التغطية والتمويه على حقيقة وحجم المصائب والمآسي الحاصلة في المنطاق المنکوبة منع القوات الحكومية من دخول الصحفيين الأجانب الى تلك المناطق کي تتمکن وسائل الاعلام التابعة للنظام من نقل الانباء بالصورة التي تخدم النظام وتخفف من هول المأساة (كما قال أحد الطيارين عند العبور من منطقة ” سربل ذهاب“ بأن هناك فرق شاسع بين ما شاهدنا من عمق الكارثة وبين ما أعلنته وسائل الإعلام والقنوات الحكومية وفي الفضاء المجازي فمثلاً يقول تلفزيون النظام بأن عدد القتلى 300بينما العدد الحقيقي أكثر من 3000). وهناك من يصرخ من وسط المنطقة المنكوبة يقول : ” بأننا قدمنا 4000قتيل لما ذا تقولون 400ما هو السبب ؟؟ “ لكن هناك وجه آخر لهذه المشاهد : إذ نشاهد أهالي المناطق المنكوبة الشجعان ورغم معاناتهم فإنهم يقومون بالاحتجاجات على خامنئي وروحاني والحرسي لاريجاني وأعضاء برلمان النظام العملاء الذين أتوا بعد أيام متأخرة من أجل استغلال من موضوع الزلزال لأهداف خاصة، من جهة، ومن جهة أخرى هناك إقبال جماهير الشعب الإيراني لتقديم المساعدات وبكل أشکال الحفاوة والحماس والتضامن لإعطاء مساعداتهم النقدية وغيرالنقدية وسارعوا إلى هذا الأمر الوطني، حتى قدموا شهيدا من أهالي مدينة بوكان (ابوبكر معروفي) في طريق إيصال المساعدات. وبهذا برهنوا للعالم مدى تضامنهم في الشدائد والنوائب ورغم أنوف عملاء هذا النظام المعادي للإنسانية، إذ فإنهم يستوعبون تماماً بأن هذا النظام وسلطاته وأزلامه رأس كل البلايا، طبيعية كانت أو غير طبيعية وعلى رأسهم خامنئي بالذات.
لاشك أن أهالي غرب إيران بسبب وجود مكونات قومية ودينية، من أوائل ضحايا هذا النظام والمعانين من وطأته حيث يعانون من أنواع الاضطهاد أيضا كما كانت مناطقهم على الدوام ساحة لتقديم القرابين إذ فضلاً على الحرب ضد العراق، فإنها کانت متعرضة للأطماع التوسعية لهذا النظام إلى سائرالبلدان حيث قد سببت جميع هذه الخصائص في هذه المناطق أن يتحول كل حادث الطبيعي أو غير طبيعي إلى معضلة سياسية وأمنية وبالتالي تصعيد الأزمة الداخلية للنظام. إن تضامن الشعب الإيراني مع المقاومة الايرانية خلال حادث الزلزال الأخير موضوع يخاف منه النظام إذ يعرضه لخطرالسقوط وأصبحت العلاقات بين مختلف شرائح الشعب أکثر رسوخاً من ذي قبل. كما أنه وبعد هذا الزلزال اتضح للعالم مدى كراهية الشعب لهذا النظام الذي تورط جميع أزلامه وعلى جميع المستويات وعلى رأسهم خامنئي في الممارسات القمعية ضد الشعب ونهب ثرواتهم. من أحمدي نجاد عندما كان رئيس بلدية العاصمة طهران وشغل مشروع بنايات شركة ” مهر “ وبعده عندما أصبح رئيساً لنظام الملالي وما كان هدفه خدمة الشعب إطلاقاً وإنما إزاحة الخصوم من أمام طريقه في سائر الأجنحة، وإلى الملا روحاني الرئيس الحالي وکيف يتعامل مع المنكوبين في هذا الزلزال وقس علي هذا ! .
الحقيقة، لقد أثبت خلال هذا الحادث الأليم في الزلزال، مدى الفساد والظلم في نظام الملالي برمته والذي يصرف مبالغ هائلة بالمليارات لتصدير الإرهاب والتطرف والمشاريع العسكرية والتسليحية ولكن يترك الشعب الإيراني في آتون البلايا والحوادث الطبيعية بلا دفاع بينما هناك تجارب كثيرة من خلال سائر الحوادث مثل الزلزال طيلة هذا الحكم ونفس الضحايا والخسائر المادية لكن ليس لم يقم بأي محاولة لمعالجة الأزمات والإجرائات الوقائية فحسب، وإنما وعد الناس وبصورة مکررة بالقيام بمحاولات جوفاء دون أي إجرائات عملية لا من الناحية التقنية ولا في تعويض الخسارات وكفكفة دموع عوائل الثكالى للمنكوبين وبلسمة إصابات الجرحى، فعليه إن العلاج الأمثل هو إسقاط هذا النظام برمته ليرتاح الشعب الإيراني من هزة ولاية الفقيه نهائياً وليس إلا .
عبدالرحمن مهابادي: کاتب و محلل سياسي خبير في الشأن الايراني.
التعليقات مغلقة.