لیلٌ ینامُ في شعرھا الأسود الطویل، وحزنٌ اغتصب عُذریة عینیھا
صیفاً. السوداویتین، لیسیلَ منھما دمعُ البُكارة، كحبّات الثلج البیضاء المتساقطة
تحوي مجرَّةً كاملةً في أعماقھا، وثقوباً سوداء تَكادُ أنْ تبتلعَھا، عظامُ رقبتھا
البارزةُ تحكي قصّةَ جمالٍ حزین أصبحَ باھتاً شاحباً بلا لوْن. مَعالمُ الحُزنِ
في وجھھا كخیوط شمس الصباح، حتى تكادُ أنْ تبوحَ وتصرخَ وتُناجي
العالم أجمع: «كفى! كفى حرباً، كفى حُزناً، كفى ظلماً».
حزینةٌ إلى حدِّ لا یُطاق، قویَّةٌ لدرجةٍ لا تستطیع تخیُّلھا، عشرینیّةٌ یحیا في
ملامحھا أربعین عاماً من معاناة الحبّ والحرب، من النضجِ والتھوّر، من
تتضاعف، دون أن تدري. القسوةِ والحنان، من الجمالِ وما أصابھ من تشوّھات! سنینُ عمرھا
لقد كانت كحجرٍ وقعَ في قاع الحُزن، كانت ترید أن تبلغ ذروة ھذا الحزن،
لأنھا لا تحبّ الاعتیاد علیھ، لترتاح بعدھا، لتطمأن أن لیس ھناك مزیداً من
آلامٍ قد تواجھھا، لكن الحزن مقترن بقوة الإنسان وقدرة تحمّلھ.
تعیشُ بعتمة غرفتھا على ضوء النّار الّذي ینھشُ برأسھا، وكأنّ البراكین
عمیق. تثورُ في رأسھا، مشتعلة دائماً ومضیئة، لا یطفأھا لا حبّ كبیر، ولا حزن
مؤمنةٌ وراضیةٌ بوحدتھا، تناقضاتھا كثیرة، ففي عزِّ حزنھا ترقص
كالصغار، علّ الأوجاع تتساقط منھا.
تتبرّجُ لتخفي ملامحَ الحزن من شفاھھا.
تضحكُ كثیراً، وقلبھا مُنھمِرٌ بالبكاء.
تستاءُ من أصغر التفاصیل وأبسطھا، وتصمدُ كالجبل أمامَ أقوى المصاعب،
روحھا تنزف بشدّة، بینما یتخیلُ للعالم أنّھا قویّة! وكأنّھا خُلِقَت من ذاك
التناقض ونُسِخَت منھ، حتّى ھي تستغربُ من نفسھا:
– كیف لي أن أحتملَ كُلّ ھذا السواد؟!
– مَن أنا؟!
ظلامٌ یعیشُ تحتَ عینیھا المؤرّقتین من السھر، تبكي كثیراً في اللیل، حتّى
باتتْ الدُموعُ تُغنّي لھا، لتغفى، وتناجي الله، ولِما لم یخلقھا موسیقى!
عندما یداھمُھا نزیفُ الروح تھربُ لتختبأ في روایةٍ أو دفتر رسم أو في
مقطوعة موسیقیة.
في الحُبّ.. تحبُّ التغییرَ دائماً، ولا یروقُ لھا الاعتیاد على الأشیاء، لا تریدُ
أن تعتادَ على طریقة حُبّ الحبیب لھا، رغم أنھا لم تمتلكْ حبیباً، تھوى أن
یحبَّھا كلّ یوم بطریقةٍ مختلفة، وجنونیة!
التعليقات مغلقة.