هل علينا أن نقرأها الأن على المعارضة السورية المسلحة التكفيرية والسياسية الانتهازية، أو المخترقة والمنافقة حد القرف، أم أننا قرأناها سابقاً ويجب إعادتها، ولا ضير في قراءتها ثانية على الأموات أو المحتضرين منهم، والذين لا يضيرنا الشماتة فيهم، بقدر ما نتمنى ميتة لبشار الأسد وجلاوزته مشابهة لمصير معمر القذافي، وبالطريقة ذاتها التي مثلوا فيه. فقد شاركت أغلبية المعارضة العروبية المذكورة بطريقة أو أخرى السلطة المجرمة في معظم ما حصل لسوريا وشعوبها. الجهتان مذنبان أمام الملايين المهاجرة والمرمية على قارعات الطرق في الغربة القاتلة، قبل أن يكونا مذنبين أمام الله، ومن المعلوم أن البادي هو بشار الأسد وشركاؤه، ناهيكم عن بشار الجعفري وبثينة شعبان والمعلم وغيرهم، الملطخون أياديهم بدماء الشعوب السورية، وكل أحكام الأرض ستكون ناقصة بحقهم، فالتجريم وحده غير كاف، وكان على الله أن يملي على أنبياءه أحكام خاصة لأمثال هؤلاء.
ودون الدخول في تفاصيل عمليات احتضار الأطراف المتبقية من المعارضة العروبية التكفيرية، والمرات التي تم فيها محاولات إعادة إنعاشها بجديد الجرعات، وتحضير الكفن للأطراف الميتة، في لقاءات الرياض والقاهرة وإستانبول، وموسكو، والأستانة، فضلا عن مؤتمرات جنيف المتشابهة النسخ حد الابتذال، لا بد من تذكير من لا يزال ينهشون في جسم هذه الأمة بانتحال صفة المعارضة، أن الشعوب السورية والذين يعيشون في المخيمات وعلى أرصفة شوارع الدول الأوروبية تحتقرهم مثلما تتمنى لعنة إلهية على بشار الأسد وسلطته. فكفى المتاجرة، والاستمرار في الخداع لديمومة الرواتب، كالذبابات المتهاتفة على الجيف.
الفاتحة الصامتة ستصدر قريبا من استانبول، عندما يلتقي فلاديمير بوتين بأردوغان، ويبحثان في قضية إدلب وعفرين والقوات التركية في سوريا، وقد نبه وزير خارجية بوتين السيد سيرغي لافروف، مهندس مجريات الأحداث في سوريا منذ 2015م من أول قصف للطيران الروسي، وحافر قبر المعارضة السورية، على أن هناك تعديلات في المعادلة ستحدث، وقد نبه إلى أن ما يجري في منطقة إدلب، وبغياب التدخل الأمريكي، المنطقة الرابعة بين مناطق خفض التصعيد، ( ونحن نقول مناطق قبور المعارضة) لا تسير كما يتوجب، وأنه هناك إشكاليات تحدث، والقصد منه أن الوجود التركي لم يفِ بمهماته بالسرعة المطلوبة، وهي إسكات المعارضة المسلحة المجمعة هناك ( ومعظمها من هيئة تحرير الشام، النصرة سابقاً، وهي على رأس قائمة الإرهاب دولياً) أو إنهائها، مع ذلك لا تزال تركيا تماطل، مثلما تماطلت في منطقتي الباب وجرابلس، وهي مرفوضة من قبل الأجندات الروسية في سوريا، والخلفية أكثر من واضحة، لأبسط المراقبين السياسيين، ونحن لا نتحدث عن لافروف مخطط الإحداثيات والتحركات العسكرية، والتقسيمات الميدانية، بل عن المحنك السياسي الذي جل غايته الإسراع في تصفية المعارضة في إدلب قبل فتح المجال لتركيا في منطقة عفرين، أو لربما صلاحيات أوسع في شمال سوريا، ودونها ستظل الخطوط الحمر أمام التدخل التركي في منطقة عفرين الكوردية معلقاً.
بينما تركيا ترغب السيطرة على منطقة عفرين أو أسقاط المكتسبات الكوردية قبل إنهائها للمعارضة العربية، وكما نعلم بأن مصلحتها تقتضي استخدامها كأداة لضرب الكرد والقضاء على القضية القومية الكوردستانية المتصاعدة في جنوب غربها، كما تعاونت بمقتضى مصلحتها مع إيران في جنوب كوردستان، ومن خلالها توضحت عورة أردوغان حول حديثه عن ألـ ب ك ك والإرهاب الكوردي، وتبينت بأنها ليست بأكثر من مسوغات لتمرير مراميها، وفي الواقع يتقصد المكتسبات التي حصل عليها الكورد في جنوب وجنوب غربي كوردستان، جراء التضحيات الجسام ضد الإرهاب الداعشي المدعوم أردوغانيا وخامنيئياً، ولذلك يخلق ضجة إعلامية حول الإرهاب وأمنه الداخلي للتغطية على الحقد الحقيقي تجاه تصاعد القضية الشعب الكوردي، ومصلحته جمعته مرارا مع أئمة ولاية الفقيه المختفين وراء شعار الأمة الإسلامية الشيعية كغطاء لضرب المسألة الكوردية.
بوتين سيبحث مع أردوغان، إلى جانب العلاقات الاقتصادية، والتي في الواقع لا تحتاج إلى مثل هذه القمة، رغم أنهم يأملون أن ترتفع إلى قرابة ألـ 100 مليار دولار في السنوات العشر القادمة، ومنها صفقات الغاز وبناء المفاعل النووية وغيرها، وهذه يمكن أن تتم باجتماعات بين لجان مختصة، والحقيقة هي أن القمة من أجل البحث في قضايا الشرق الأوسط، وقضية القدس والمؤتمر الإسلامي المزمع عقده في استانبول، وقادم سوريا، ومصير الأسد وسلطته، وهل ستدفن كل المعارضة أم سيتم الاحتفاظ ببعضها للتوقيع على وثائق الاتفاقيات المطبلة لها بأنها سياسية (والتي على أثرها قدمت جرعات الرياض الثانية) وفي الواقع الحلول النهائية عسكرية وبشكل مطلق، والطيران الروسي، والقصف الصاروخي من أعماق البحار تؤكدها، ومن يقول غير هذا يخدع الشعوب السورية قبل ذاتهم، والمعارضة تدرك، والدول التي شاركت سلطة بشار الأسد، كالقطر وتركيا والسعودية، في تحريف الثورة وطمسها تعلم تماما ما فعلته، وهؤلاء دفعوا بالمعارضة العربية لمشاركة النظام السوري في تعميق الفرقة بين الكورد والعرب، وبين المذاهب والأديان في سوريا، وحرضوهم على الخطاب العنصري بكل بشائعه، ونشروها على الإعلام، إلى أن أصبحت جل نشاطات شخصيات من المعارضة العربية السياسية والعسكرية مهاجمة الكرد واتهامهم بما هب ودب من التلفيقات، بلغت حد إرسال الكلمات البذيئة، والكلام المنحط، وجل غاياتهم تشويه ليست القضية الكردية وسمعة الشعب الكوردي بل تشويه مفاهيم الثورة، لأن الكورد بحركتهم السياسية والثقافية خير من لا يزالون متمسكون بمبادئها، وهي إسقاط النظام، وتعني إسقاط السلطة والمعارضة الراديكالية التكفيرية والسياسية الانتهازية، معا وبكل مؤسساتهم ومفاهيم، وليست تغيير السلطة كما تستميت عليها المعارضة العروبية.
ليت المعارضة العربية السورية تقرأ الأية التالية كل صباح ومساء قبل الفطور والنوم” إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ” علا التذكير يجدي، وتعيد حساباتها، وتعلم أن جنيف ليست سوى مهزلة وستنتهي مثلما بدأت، وكل التحضيرات تتم لعقد مؤتمر سوجي على البحر الأسود، وعلى الأغلب ستخرج بنتائج ملموسة، وبطيف روسي، وعلى أثرها يحضر لا فروف لتجميع أكبر عدد ممكن من الأطراف المتفقة والمعارضة (يقال بأنه سيبلغ عدد الحضور قرابة 1300 مشارك)، لئلا تكون لهم قدرة على الحوار أو النقاش على ما ستعرض عليهم من دستور ومقترحات لسوريا القادمة. ويبقى السؤال: هل مثل هذا التجمع الضخم ستكون نتائجها مشابهة لنتائج جنيف؟
نظراً لضخامة التحضير لمؤتمر سوجي، يتبادر إلى أذهاننا أن نتائجه من الصعب أن تكون نظيرا لنتائج سابقاته، وخاصة هناك إشاعات حول تبلور معارضة سورية جديدة لتكون بديلا.
المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له علاقة بوجعة نظر الموقع
التعليقات مغلقة.