المجلس الوطني الكوردي في سوريا

حسن كله خيري: أزمة المثقف الكوردي …!!

144

 

الثقافة هي أرث لا ثمن لها وهي الهوية التي تعطي جماعة أو شعب ما صورته بألمع وأفضل صوره ، وهي تمثل الشعب في كل الأزمان وكل الأمكنة ، والثقافة هي الوجه المشرق لحضارة الشعوب جيلاً بعد جيل ، وهي ليست حكراً على فرد معين دون سواه أو شعب دون آخر وكل ثقافة تختلف عن الأخرى بأختلاف الشعوب والأعراق أنطلاقاً من اللغة والتاريخ والآثار والأداب والسياسة وغيرها من المجالات التي أرتبط بها الإنسان منذ أنطلاقته الأولى على هذه الأرض .

 

وأنطلاقاً من المقارنة بين الثقافات والحضارات كانت ثقافة الشرق الأوسط مهداً لأغلب الثقافات التي نشأت بعدها ، وكانت تلك الثقافات في أغلب أوجهها ونواحيها أستمدت بعض من أفكارها من العلوم والأدب والتاريخ , ونظم الإدارة وممارسة الأعمال السياسية والأقتصادية وغيرها من حضارات الشرق الأوسط وثقافاتها المتنوعة والغزيرة .

 

وبالتقدم السريع ، نحو الفترة الحالية ، تطورت العلوم والتكنولوجيا والإعلام ووسائل التواصل ، وأصبح بأمكان الفرد أن يجمع الكثير ويعرضه في دقائق ، بحيث يكون التواصل الأفتراضي أكثر الوسائل المتاحة والتقليدية لنشر وعرض الأفكار والمعرفة من غيرها وهذه الفسحة الأفتراضية مكان لجميع الشرائح المجتمعية وهي تأثر على الأراء كثيراً ولها رواج كبير .

 

وبالرجوع للماضي قليلاً لم يكن تطور تكنولوجي خاص بالثقافة والآداب وتاريخ ومخاطبة الشعب والأرشفة التراث وثقافة المجتمع ممكناً على نحو السريع ، حيث كان الاعتماد فقط قائم على أشخاص وضعوا على كاهلهم القيام بهذه المهمات من جمع وتأليف وأرشفة وكتابة وحس الشعب على الحفاظ على خصوصياته ولغته وتاريخه ، حيث كان هذا الشيىء مفقود بين شعوب الشرق الأوسط ، ومنهم الكورد الأكثر اضطهاداً وتعرضاً لمحو تاريخه وحضارته ولغته ، نظراً لوجوده في أغنى المناطق الطبيعية وتوسط أرضه على أهم طرق البرية قديماً وحديثاً .

 

حيث في الماضي كان للكورد دوراً كبيراً في بناء الحضارة الإنسانية في كافة المجالات العلمية والعملية والفلسفية والأدبية وحتى في قيادة الحروب ، وفي كل مرة الشعوب الأخرى المجاورة للكورد كانوا ينسبون أولئك النخب إلى أنفسهم وشعوبهم ، في محاولة لأظهار الشعب الكوردي على أنه مجرد عالة على البشرية وهم لم يقدموا شيئاً ، ناهيك عن عمليات التتريك والتفريس والتعريب والقتل والكيمياوي وتشريد وغيرها من الجرائم التي يتم تصنيفها جرائم ضد الإنسانية حسب مفهوم العالمي الحديث للجرائم .

 

وفي الوقت الحالي ، أو منذ ستينات القرن الماضي ، الثقافة الكوردية يمكننا القول أنها تراجعت عن مستواها الذي كانت فيه ، أو أن المثقف الكوردي لم يعد يهتم بالماضي وبالمصادر الثقافية الكوردية القديمة بحجة التطور الهائل الذي حدث ليس فقط بالنسبة للشعب الكوردي بل لكافة الشعوب ، أو يمكننا تقسيم هذه الحالة التي أدت إلى تراجع الثقافي والأبداعي الكوردي منذ الستينات إلى عدة أسباب ، يمكننا من خلالها معرفة التراجع الحاصل ، وأول تلك الأسباب هي :

 

1_الحزبوية الضيقة : هذا السبب كان موجوداً في الماضي لكن ليس بهذه الحالة بل كانت على أسس “عشائرية قبائلية” ومنها من كانت على الأسس الدينية البحتة ، لكن مع الزمن تطور وأصبح بصفة الحزبوية ، فالكورد بطبيعتهم عاطفيون جداً يتأثرون بالشعارات ، وأول الشعوب التي تسيطر عليهم العاطفة هم الكورد ، والمثقف الكوردي في الوقت الحالي يعتبر هذا السبب مصدراً لشهرة السرعة أو تأمين مستقبل بالسرعة القصوى ، والحزبوية بطبيعتها هي في داخل البيت الكوردي مصدر لتمزق والتفرقة أعتماداً على الشعارات ومبدأ التخوين ، لهذا السبب ترى المثقف الكوردي أو الذي يتابعه ويتأثر به يُخون كل من يرفض الاقتداء بأفكاره وأفكار حزبه او يعارض ما يؤمن به ، وفي المقابل يضعف الحس الوطني والقومي والاقتداء بالتاريخ الكوردي ورموزه .

 

2_الأنانية : المثقف الكوردي أناني بطبيعته ، يحب الشهرة لنفسه فقط ، هو ينشر ما يقدم من أنجازات في الكتابة لنفسه على جميع وسائل التواصل (حديثاً) دون تكليف نفسه لكتابة عن موضوع أكثر أهتماماً بالقضية والوضع الحالي الذي يمر به الكورد ، ومحاولة لنشر الوعي الثقافي والوطني والاعتزاز بالقضية والتاريخ والعظماء ، فهو يرى نفسه أعظم من ذلك وقدراته أكبر من هذه الأمور ، فهو يعطي مجالاً لنشر التشويه الذاتي لنفسه ولغيره على ما يقوم به من أسلوب أناني بحت دون مراعاة الأعتماد على قدمه الكورد قديماً ليكون مصدر لإبداعه .

 

3_التهجم بدل من النقد : التهجم حالة طبيعية في أوج تطورها في جميع نواحي الحياتية للبيت الكوردي ، وهي مرحلة تسبق النقد في كثير من الأحيان ، فهو يعتمد في هذه الحالة على الجهة التي يعمل لصالحها أو بمعنى يعتمد عليها في جلب رزقه ، فتراه يهاجم من كل الأطراف معتمداً على لسانه وبعض من شعارات التي حفظها من قياداته ، والتي هي أيضاً بدورها تفتح الشرخ والتمزق داخل المجتمع الكوردي .

 

4_الهروب من الواقع : نحن بطبعنا نهرب من الواقع والانصراف إلى ما لا يعكر الأجواء الوردية المؤقتة التي خلقناها لأنفسنا ، هرباً من الواقع وهرباً من المواجهة وهرباً في بعض الأحيان من الموت والخطف والتهديد من أيادي ربما تريد النيل من بعض الأفواه الحرة التي تتكلم دون تردد ، وهنا يمكن تحميل مسؤولية وجع الكوردي إلى لحركة السياسية الكوردية بأحزابها ومن جعلوا من أنفسهم آلهة على رقاب الشعب ، ليصنعوا لأنفسهم وللشعب آلهة  هم يريدونها .

نظراً لوضع الحركة الكوردية  ، فالمجال للتحدث في الأسباب سيأخرنا كثيراَ عن إيجاد الحلول لهذا الواقع بالنسبة لإنسان يتكلم عن ثقافته وإبداعاته وما يقدمه من الجهود ، والواجب عليه أهتمام بأشياء أكثر وأكبر من ذلك كالقضية وقلة الوعي وفشل الحركة الكوردية في إدارة الأزمات وقلة دور النخب الشبابية في بناء السياسة والثقافة الكوردية نتيجة عدم الاهتمام ومعالجة تلك الأسباب التي أدت لتراجع الأنتاجية لثقافة والإبداع الكوردي الذي واجه كل أنواع المحاربة للنيل منه .

التعليقات مغلقة.