شيار عيسى: لم تكن نتائج مؤتمر الرياض (2) مفاجئة، ولا بذلك السوء الذي يتم الحديث عنه, كانت جيدة إلى حد بعيد..
لم تكن نتائج مؤتمر الرياض (2) مفاجئة، ولا بذلك السوء الذي يتم الحديث عنه، بل كانت جيدة إلى حد بعيد، إذا ما أخذنا بالحسبان الظروف التوافقية المحيطة بالمؤتمر والتي حفظت لجميع الأطراف ماء وجهها، من مبدأ «لا غالب ولا مغلوب»، وما أدل على ذلك إلا احتجاج القاعدة الشعبية لأغلب الكيانات السياسية على البيان الذي صدر كنتيجة للمداولات، وتنازل الأطراف القومية، كهيئة التنسيق، والأطراف الإسلامية عن شعارات قومية وإسلامية كانت تطرح في مؤتمرات سابقة، وتم تثبيتها بعد ضغوط كبيرة مورست عليهم من الإدارة الأمريكية والسعودية، والتي لولاها لما كان الخروج بهكذا نتائج أمراً ممكناً.
ومن الممكن رؤية حجم التنازلات التي قدمتها الأطراف الإسلامية والقومية العربية نتيجة الضغوط التي مورست عليهم من خلال إلقاء نظرة على إحدى الوثائق الأخيرة للمعارضة السورية، والتي سميت بـ «الإطار التنفيذي للحل السياسي في سوريا» وفق رؤية الهيئة العليا للمفاوضات، إذ نص البند الأول من تلك الوثيقة على أن «سوريا جزء لا يتجزأ من الوطن العربي، واللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة، وتمثل الثقافة العربية الإسلامية معيناً خصباً للإنتاج الفكري والعلاقات الاجتماعية بين السوريين على اختلاف انتماءاتهم الإثنية ومعتقداتهم الدينية حيث تنتمي أكثرية السوريين إلى العروبة وتدين بالإسلام ورسالته السمحاء التي تتميز بالوسطية والاعتدال».
رغم ذلك، كان البيان النهائي للمؤتمر مناسبة جديدة لاحتجاجات وانتقادات كثيرة وجهت للمجلس الوطني الكوردي، الذي مثل الكورد في المؤتمر، وتلك الانتقادات، وإن كانت محقة في نقاط تتعلق بضعف تمثيل الكورد في المؤتمر ومن ثم الهيئة العليا للمفاوضات، إلا أنها ليست واقعية من جهة اعتبار أن نتائج مؤتمر الرياض كانت سلبية ونكسة للقضية الكوردية في سوريا، وخاصة فيما يتعلق بقبول اللامركزية الإدارية، والتنازل عن الفدرالية التي يدعو لها المجلس الوطني الكوردي لعدة أسباب كوردية وكوردستانية ودولية.
ينطلق أغلب الحالمين بقبول المعارضة السورية بالفدرالية، بهذه السهولة، من مقاربات خاطئة للواقع السوري، ومقارنات مع العراق وإقليم كوردستان، الذي لا يشبه بأي حال من الأحوال واقع الحال في سوريا، فالحركة التحررية الكوردستانية في العراق حملت السلاح وناضلت منذ أكثر من مئة عام، تخللتها اتفاقات مع حكومة الانتداب الإنكليزي والحكومات العراقية المتتالية. أما في سوريا، ونتيجة عدة عوامل منها ضعف الحركة السياسية الكوردية وعدم قدرتها على ترسيخ وجودها سورياً، فإن الموروث السياسي والشعبي في سوريا لم يكن ليقبل بأي شكل من الأشكال الاعتراف بوجود قضية كردية قبل الثورة السورية، لكن التطورات التي حدثت بعد الثورة غيرت تلك المعادلة نحو قبول وجود قضية كردية، وإن كان التعامل معها لم يصل بعد لما هو مأمول.
وعدا عن الضعف التاريخي للحركة السياسية الكوردية في سوريا، فإن مشروع المجلس الوطني الكردي، والذي يعتبر مشروعاً عابراً للأحلاف والمحاور الكردستانية، وإن كان يقوده حليف الحزب الديمقراطي الكوردستاني، يعيش انتكاسة حقيقية نتيجة الحصار المفروض على الحزب الديمقراطي الكوردستاني وحلفاءه في الاتحاد الوطني الكوردستاني من الأطراف الدولية، والتي لا ترغب في مزيد من الصراعات في المنطقة، لعلمهم بما تشكله الورقة الكوردية من قوة مد وجذر سياسي يمكن أن تأزم الأمور إن تأججت، وأن تشكل قاعدة لتوافقات إقليمية من الدول المتقاسمة لكوردستان في حالة التوافق ضدها، ومناسبة لتقديم تلك الدول، وفي مقدمتها تركيا وإيران، مزيداً من التنازلات للولايات المتحدة في حال مساعدتها على الحد من الحلم القومي الكوردستاني.
أيضاً، وعلى صعيد البيت الداخلي الكوردي في سوريا، لا يزال المجلس الوطني الكوردي يعاني من القمع والتضييق الذي يتعرض له من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي، بالتوازي مع عدم قدرة المجلس على إيجاد صيغة للحد الأدنى من التفاهمات في صفوفه، بما يضمن له تفعيل هيئاته وتنشيطها، وتشكيل ضغط جدي على حزب الاتحاد الديمقراطي للقبول بعملية سياسية ديمقراطية بحدها الأدنى على الأقل.
الحقائق آنفة الذكر تعرفها المعارضة السورية بدقة، فهي تعلم أن حلفاء المجلس الوطني في إقليم كوردستان يعيشون حالة من العزلة ويمرون بحالة ضعف لم يمروا بها منذ حرب الخليج الثانية، ويعون أيضاَ أن المجلس الوطني الكوردي غير قادر على الخروج من عباءة الائتلاف في ظل الضغوط التي تمارس عليه من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي، وعدم قدرته على إيجاد بدائل سياسية معارضة، ويضاف إلى هذا وذاك، العقلية الشوفينية التي لا ترى في الشعب الكوردي وحركته السياسية شريكاً في اتخاذ القرار.
ونظراً لما سبق، فإن عدم قبول المعارضة بصيغة الفيدرالية، وذلك في ظل حقيقة أخرى أيضاً وهي عدم وجود قوة عسكرية للمجلس تسيطر على بقعة جغرافية في سوريا، شيء طبيعي، لا بل إن قبول تلك الأطراف، تحت الضغط، التخلي عن الشعارات القومية والدينية، والقبول باللامركزية وبالتعدد القومي والديني، وإن كان بصيغ غير مرضية حتى الآن، هو أمر إيجابي يمكن البناء عليه في حال توافرت ظروف داخلية ودولية أكثر موائمة.
المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له علاقة بوجهة نظر الموقع.
التعليقات مغلقة.